«الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنْ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -. طرفه ٦٤٨٤ - تحفة ٨٨٣٤ - ١٠/ ١
١٠ - ولذا قال:(المسلمُ من سَلِمَ) ... إلخ «والمؤمنُ من آمَنَهُ الناسُ على دمائِهم وأموالِهم» فكأنه أحاله على اللغة.
(والمهاجر) ... إلخ هذا أيضًا نوعُ هجرةٍ وفيه قصر، والقصرُ باعتبارِ تنزيلِ الناقصِ منزلة المعدوم، ولا أقول بتقدير الكمال. وقد مر تقريره مرة فراجعه. (قال أبو عبد الله) وإنما أتى به لأجل التصريح بالسماع كما هو مذْهَبَه. والشَّعْبي اسمه عامر، شيخ الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
لما فَرَغَ عن أجزاء الإسلام، أراد أن يذكرَ مراتبُ الإسلام، وههنا إشكال، وهو أنه كيف يَستقيمُ اختلاف الأجوبة مع اتحادِ السؤال؟ فإنه قد أجاب ههنا بأن الأفضلَ:«من سلم المسلمون» الخ وفي حديث آخر أجاب بغيره، والجواب المشهورُ أن الاختلافَ في الأجوبة باعتبار اختلاف حال السائلين. قلت: وفيه أن هذا الجواب لا يجري إلا فيما صدر عنه القول المذكور في جواب سائل. أما إن كان قاله بدايةً بدون سبق سؤال، فينبغي أن يذكرَ ما هو الأفضلُ في الواقع لا غير، ولا يتحمل فيه هذا الاختلاف.
والجواب الثاني: أن الاختلاف باعتبار اختلاف لفظ السؤال، دون حال السائل، ففي بعضه أيُّ الإسلام أفضل؟ وفي بعضه أيُّ الإسلام خير. والأفضلُ يكون بحَسَب الفضائل، وهي المزايا اللازمة كالعلم، والحياة، والخير باعتبار الفواضل، وهي المزايا المتعدية، فالتشتت في الجواب، باعتبار التشتت في السؤال، ولذا أجاب في الأول بالإسلام، وفي الثاني بإطعام الطعام. قلت: هذا الجواب يحتاج إلى تتبّعٍ بالغ، وإلى تعيين اللفظِ بعينه من صاحب الشريعة والسائل كليهما، وهو أمر عسير، لفُشو الرواية بالمعنى، فما الدليل على أن هذا من لفظه، وليس من الراوي.
والجواب الثالث للطحاوي في «مشكله» وحاصله: أن يجمعَ جميعَ أجوبتِهِ صلى الله عليه وسلّم ثم يجعلُ الأفضل نوعًا كليًا يندرجُ تحته جميع الأشياء التي حُكِمَ عليها بكونها أفضل. وحينئذٍ لا يكونَ الأفضل شخصًا لينحصر في فرد. ولا يمكنُ أفضلية الآخر معه، بل جملة ما وضعه صلى الله عليه وسلّم في