أو مدارٌ للحكم. وإنما قلنا: إن الظاهر أنه وافقَ الحنفية لا لكونه تلميذ إسحاق ابن رَاهُويَه، ومذهبُه كمذهب الحنفية، وهو مذهب ابن عمر، وهو راوي الحديث، كما في «الفتح» وقد أقر به الحافظ أيضًا، ولمّا علمنَا مذهبَ شيخه ناسبَ أن نحمل ترجمته أيضًا على مذهب شيخه، ومن ههنا اندفع التكرارُ، وظهر الوجهُ، لوضع الترجمة الثانية.
وقال ابن المُنَيِّر: إن المصنف توجَّه في الترجمة الثانية إلى مسألةِ أنها تجبُ عليه أو عنه؛ وقد علمت الاختلافَ فيها، والفرقَ بينها.
قلتُ: وليس الأمرُ كما زعمه، فإنَّه ترجم بصدقةِ الفطرِ على الصغير والحر والمملوك، فدلَّ على أنه لم يتعرَّض إلى بيان هذا الفرق. فالظاهرُ أنه ذهب إلى وجوبها عن العبد مطلقًا، مسلمًا كان، أو كافرًا. والله تعالى أعلم بالصواب.
٧٣ - بابٌ صَدَقَةُ الفِطْرِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ
١٥٠٥ - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ - رضى الله عنه - قَالَ كُنَّا نُطْعِمُ الصَّدَقَةَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. أطرافه ١٥٠٦، ١٥٠٨، ١٥١٠ - تحفة ٤٢٦٩
٧٤ - باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ (١)
١٥٠٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى سَرْحٍ الْعَامِرِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ - رضى الله عنه - يَقُولُ كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ. أطرافه ١٥٠٥، ١٥٠٨، ١٥١٠ - تحفة ٤٢٦٩
قال الشافعي: إن المراد من الطعام هو البرُ، فيُخرج منه صاعًا كالشعير. قلتُ: كيف وأن أبا سعيد قد صرح أن طعامَنا يومئذ لم يكن غير الشعير، والزبيب، والأقط، والتمر، كما يأتي في البخاري في هذه الصفحة من باب الصدقة قبل العيد. وأين كان البرُ في زمنه صلى الله عليه وسلّم ليكون طعامَهم؟ وإنما كثُرَ في زمن معاوية، كما في البخاري من الباب الذي بعده: فلما جاء معاوية وجاءت السمراءُ؛ قال: أرى مُدا من هذا يعدِلُ مدين. اهـ.
ومن ههنا ظهر السر، لاختلافهم في البُر أنَّ الواجبَ منه صاعٌ أو نصفُ صاعٍ، وذلك لأنه كان قليلا في زمن النبي صلى الله عليه وسلّم فلم يخرج أمرُه من الخاصة إلى العامة. ومن هذا الباب اختلافهم في زكاة الحُلِي والخيل، فإنَّهما أيضًا كانا قليلين، فلم يشتهر أمرُهما على وجهه. فقال قائل
(١) قلت: ومن أراد الاطلاع على تمام البحث في تلك المسألة، فليراجع "مشكل الآثار" من ص ٣٣٧، إلى: ص ٣٤٨ من المجلد الرابع، فإنه بَسَطَ المقامَ بما لا مزيد عليه، وأتى على جوانب المسألة، ولم أقدر على تلخيصه، وإنما رقَّمت لك الصفحة، لعدم كونه على ترتيب الأبواب الفقهية، فيتعسرُ إخراج الباب أيضًا.