ونظيره أن مَلِكًا مسلمًا عَاهد ملكًا من الملوك على أمور وصالحه عليها، فإن وفَّى به فهو على عهده، وإلا فهو غادر، قد نقض العهد والصلح. وهذا على نظر أحمد رحمه الله، وأما على نظر إمامنا، فالمَلِك المعاهد صار بمنزلة الرَّعية للمسلم، والرعيةُ تبقى رعية وإن فسقت، فلما كان الإيمان كالبيعةِ من النبي - صلى الله عليه وسلم -، صارَ الفاسق كالباغي عند أحمد رحمه الله، فانتقض عهده وانتقص إيمانه لا مَحَالة. وعندنا هو بمنزلة الرَّعية، فاستحق العِقاب والعُقوبة، ولم يُوجِبُ ذلك نقصانًا في أصل إيمانه. ولذا لم يرد الشرعُ بخلود الفاسق، فالنزاع في الأصل ما ذكرنا: أي أن الإيمان أصل واحد كما يقول إمامنا رحمه الله تعالى، أو أمور متعددة كما يقوله المحدثون، ثم إنه كالبيعة كما هو نظر أحمد رحمه الله، أولًا كما هو نظر إمامنا رحمه الله، وليس نزاعًا لفظيًا كما قالوا. ثم إن مَثلَ الكافر عند أحمد رحمه الله إذا أسلم فاقتحم المعاصي، كمثل المعاهد الغادر، فيؤخذ بالأول والآخر. وعندنا هو كرجل دخل في رعية سلطان، فإن ارتكب الجرائم يُعاقبُ عليها، ولكن لا يُعدْ باغيًا وناقضًا للعهد. وهذا معنى الزيادة والنقصان، ومعنى البيعة عند أحمد رحمه الله، وعدمها عند إمامنا رحمه الله. والأصوب ما ذكره الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى كما علمت. هكذا فَهِمنَاه من بعض تقارير الشيخ رحمه الله تعالى. (٢) قال الشيخ بدر الدين العيني رحمه الله تعالى: اختلفوا في الإقرار أنه ركن للإيمان أم شرط له في حق إجراء الأحكام؟ قال بعضهم: إنه شرط، فمن صَدَّق فهو مؤمن بينه وبين الله تعالى وإن لم يقر بلسانه. قال النَّسفي رحمه الله تعالى: هو المروي عن أبي حنيفة رحمه الله، وإليه ذهب الأشعري رحمه الله في أصح الروايتين. وهو قول أبي منصور الماتريدي رحمه الله تعالى. وقال بعضهم: هو ركن، لكنه ليس بأصلي له، كالتصديق، بل هو ركنٌ زائد، ولهذا يسقط حالة الإكراه والعجز. وقال فخر الإسلام إن كونه ركنًا زائدًا مذهب الفقهاء، وكونه شرطًا لإجراء الأحكام مذهب المتكلمين. والمحدثون قالوا: إن الإيمان فعل القلب واللسان مع سائر الجوارح. انتهى بتغيير يسير عمدة القاري ينظر ص ١٢١ ج ١.