وترجمة المصنَّف رحمه الله تعالى هذه ناظرةٌ إلى تفسير الآية. ومن العجائب أنَّ ما يجعلونَه لعنهم الله تعالى حجةً لمسح الأرجل هو بعينه حجة للغسل عند السلف، حتى إن بعضهم توهَّم منه نسخَ المسح، ولذا كان يُعجبهم إسلام جرير، لأنَّه أسلم بعد المائدة وكان يمسحُ على الخفين، فَعُلِكَ أنَّ حكم المسح باقٍ بعد نزول المائدة أيضًا. وفيها آية المسح بالرأس والأرجل. ثم لا يخفى عليك أن المسحَ بالرجلين قد ثبت عند الطحاوي بإِسناد قوي، ولكنه في الوضوء فعنده عن النَّزَّال بن سَبْرة بإِسناد قوي قال: رأيت عليًا رضي الله تعالى عنه صلى الظهر ثم قعد للناس في الرُّحبة، ثم أتي بماء فمسح بوجهِهِ ويديه، ومسح برأسه ورجليه، وشرب فَضْلَه قائمًا ثم قال: إنَّ ناسًا يزعمون أن هذا يُكره، وإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصنع مثل ما صنعت، وهذا وضوء من لم يحدث.
وليعلم أنَّ الوضوء في الشرع على أقسام: فمنها ما عَلِمت، ومنها للنوم كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما ومنها من عند الترمذي. والرواة أيضًا يراعونها، ولذا تراهم يقولون: توضَّأ وضوءَه للصَّلاة، فَعُلِم منه أن في أذهانهم أقسامًا للوضوء يريدون به الاحتراز عنها، فلا عبرة لإِنكار ابن تيمية، وعند الترمذي في باب ما جاء في التسمية على الطعام فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلّم يديه ومسح ببَلِلِ كفيه وجهه وذراعيه ورأسه، وقال:«يا عِكْرَاش، هذا الوضوء مما غيرت النار». وفي إسناده لين.
٢٨ - باب الْمَضْمَضَةِ فِى الْوُضُوءِ
قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ - رضى الله عنهم - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -.
وأخرجه ابن السَّكَن في «صحيحه» وفيه تصريحٌ بالفصل (١).
(١) ولفظه عن أبي وَائل شقيق بن سلمة قال: شهدت عليَّ طالب بن أبي طالب وعثمان بن عفان توضّآ ثلاثًا ثلاثا وأفردا المضمضة من الاستنشاق، ثم قالا: هكذا رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ. قال مولانا ظهير أحسن النيموي: لم أظفر بإسناده، ولكنه أخَرَجه الحافظ رحمه الله تعالى في "التلخيص" وعزاه إليه. وقد بوَّب أبو داود في "سننه" بالفرق بين المضمضة والاستنشاق وأخرج عن طلحة، عن أبيه، عن جده أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يفصل بين المضمضة والاستنشاق وفي إسناده كلامٌ أجاب عنه علماؤنا، فليراجعه.