واعلم أن الحديثَ كان مطلقًا، ثم إن المصنِّفَ خصَّصه، وجعل مورد النهي فيما إذا باع له بأجرٍ. فلنا أيضًا أن نُخَصِّصَ حديثَ المُصَرَّاة أيضًا، لكونه قرينةً.
٧٠ - باب لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِالسَّمْسَرَةِ
والحديثُ لم يَرِدْ فيه، إلا بلفظ البيع، وترجم عليه المصنِّفُ بالشراء، والبيع معًا، وادَّعى أنه مُشْتَرَكٌ بينهما. فلعلّه اختار عمومَ المُشْتَرَكِ، كما نُسِبَ إلى الشافعيِّ. وقال الشيخ ابن الهُمَام: إن العمومَ لفظًا لا يُوجَدُ في اللغة. وقال ابن تَيْمِيَة: إنه لا يَجُوزُ، وما نُسِبَ إلى الشافعيِّ، فليس بصحيحٍ، لأنه لم يُرْوَ عنه، وإنما اسْتَنْبَطَهُ الناسُ من بعض مسائله، نحو: من أَوْصَى لمواليه، وله مَوَالٍ من أعلى، ومَوَالٍ من أسفل: أن الوصيةَ تكون لهما، فَزَعَم أنه ذهب إلى جواز الجمع بين معاني المُشْتَرَك. وليس كذلك، ولكن الوَلاء ربطٌ إضافيٌّ يتحقَّق بين الأعلى والأسفل، فأُريدَ به كلاهما على طريق الاشتراك المعنويِّ، فإن اللفظيَّ لا وجودَ له في اللغة. أمَّا ظاهرُ عبارة المصنَّف فَمُشْعِرَةٌ بالجواز، ويمكن أن يكونَ المصنِّف أيضًا أراد من البيع رَبْطًا مطلقًا بين البائع والمشتري.
وحينئذٍ، فحاصلُ الحديث عنده: النهي عن معاملة البيع، أي هذا الربط، سواء كان بيعًا أن أضفته إلى البائع، أو شراءً إن نَسَبْتَهُ إلى المشتري، فَيَصِيرُ إذن مُشْتَرَكًا معنويًا. قلتُ: إن الاشتراكَ لفظًا يُوجَدُ عند الشعراء، وإن أنكره الجمهور، وهم عدُّوه من المحسِّنات، كما يقول الجامي تَعْمِيةً لاسم «علي»:
* (جشم بكشازلف بشكن جان من ... بهر تسكين دل بريان من)
وحلُّه: أن الجملةَ الأولى معناها في العربية: افتح العين، وفتح العين: إمَّا بفتح العين، أي آلة النظر، أو بفتح لفظ العين. والجملة الثانية: اكسر الشَّعْرَ الذي فيه تَثَنًّ كالَّلام، وهو أيضًا بنحوين: إمَّا بإِصلاحه، أو بتكسير اللام. وكذا التسكين معناه: الاطمئنان، أو تسكين الياء التي وقعت وسط لفظ «بريان»: محل القلب من الإِنسان. ويَحْصُلُ منه اسم «علي»، فإنه بفتح العين، وكسر اللام، وتسكين الياء، وقد أراد الشاعرُ معنى اللفظ، ومنه حَصَلَتِ التعمية.