مستحبٌ. وقال مولانا عبد الحي: إنه لا دليلَ للحنفية على وجوب الترتيب، كما قال في مسألة المُحَاذاة. قلت: وقد مرَّ مني أن طلبَ النصوصِ في الاجتهاديات إتعابٌ للنفسِ، وعدولٌ عن سواءِ الصراط. أَلا ترى أن نبيَ الله صلى الله عليه وسلّم لم يقضِ فوائته يوم الخَنْدَق إلا مْرتَّبة، وهذا القدر متفقٌ عليه.
بقي أن هذا الترتيبَ الذي عَمِلَ به: كان على أنه واجبٌ عنده، أو مستحب، فهو من مراتب الاجتهاد كما أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يَصُف النساءَ إلا خلف الصفوف، حتى أَنه أقام العجوز مرةً خلفه، وجعل لها صفًّا وحدَها، مع أنه قال:«من صلَّى خلف الصف وحده، فلا صلاةَ له» - بالمعنى، فهل كان هذا التأخير، لأن محاذاتَها بالرجالِ مُفْسِدَةٌ لصلاتِهم، أو لأمرٍ آخر. فهو أيضًا من مَدَارك الاجتهاد. فحكم وِجْدَانُ أمامِنا بالوجوب في الموضعين، ولا يُسوِّغُك الاعتراض عليه. نعم، لو أتيتَ بحديث يَدُلُّ على أنه صلى الله عليه وسلّم قضى فوائته غير مرتَّبةٍ، أو أقام النساء حِذَاء الرجال ولو مرَّةً، لكان كذلك مكان القول ذا سعة. أمَّا إذا لم يُنقل عنه بخلافِهِ، فأيُّ بأسٍ في حملِ عمله صلى الله عليه وسلّم على الوجوب.
٤٠ - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ السَّمَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ
إنما أعاد هذه الترجمة لتغايرُ السلسلة. واعلم أنهم تكلَّموا في المشتقِّ أنه هل يُستعمل بمعنى اسم الجنس، أم لا؟ واتفقوا في الجامد، فيُطَلق على القليل والكثير. والمشتّقُ يثنَّى ويُجمع، فتردَّدوا فيه لذلك، إلا أني رأيت في «الكشاف» في موضعين أنه جعلَ المشتقَّ اسم الجنس الأول في قوله: {كَيْدُ سَاحِرٍ}[طه: ٦٩] والثاني: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}[طه: ٦٩]، فقال: إن اسم الفاعل المفرد معرَّفٌ باللام يكون بمعنى اسم الجنس، فافهم.
٤١ - باب السَّمَرِ فِى الْفِقْهِ وَالْخَيْرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ