للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أن يخطب، ولا بِدْع في إِطلاق «خطب» إذا كان بصدد الخُطبة ولم يبق منه غيرُها، على أن عند مسلم - ص ٢١٧: «إذا جاء أحدُكم وقد خَرَج الإمامُ» إلخ فدل على أن الأمر فيما لم يخطب بَعْدُ وهو بصدد أن يخطُب.

وهذا يدلك ثانيًا على أن المرادَ من قوله: «خطب» أي قارب الخُطبة وبلغ مَوْضِع الخُطْبة. وفي بعض اللفظ عند البخاري ص ١٥٦: «والإِمام يخطُبُ، أو قد خَرَج»، وليس فيه «أو» عندي للتنويع بل للشك من الراوي، فما دام لم ينفصل لفظُ النبيّ صلى الله عليه وسلّم لا تُبنَى عليه المسألة. وهو كذلك بالشك عند أبي داود أيضًا.

وقد سَلَك الطحاوي في جوابه مَسْلَكًا آخر وهو إقامة المعارضة بنحو ما رُوي في «الصحيح»: «أن رجلا شَكَا إِليه القَحْط وهو يَخْطِب، فاستسقى له ولم يأمُرْه بأَداء تحية المسجد». وكذلك جاء عنده رجل آخر يسألهُ عن حاجته، فأمره أن يَقْعُد ولم يأمُرْه بالركعتين (١).

٣٤ - باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِى الْخُطْبَةِ

٩٣٢ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ. وَعَنْ يُونُسَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ بَيْنَمَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْكُرَاعُ، وَهَلَكَ الشَّاءُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا. فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا. أطرافه ٩٣٣، ١٠١٣، ١٠١٤، ١٠١٥، ١٠١٦، ١٠١٧، ١٠١٨، ١٠١٩، ١٠٢١، ١٠٢٩، ١٠٣٣، ٣٥٨٢، ٦٠٩٣، ٦٣٤٢ - تحفة ١٠١٤، ٤٩٣

واعلم أنه ثبت كراهةُ رَفْع الأيدي في الخطبة. وحَمَله العامة على أن هذا الرَّفْع كان للتفهيم، كما شاع الآن في الخطباء والواعظين، أنهم يحرِّكُون أيديهم للتفهيم. فلعلَّه فَعَله بِشْرٌ وكرهه الناس. وقالوا: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يكن يزيد على الإشارة بالأصابع.

قلتُ: والأرجح عندي أن تلك الإشارة كانت للدعاء للمؤمنين، فإنه مسلوكٌ في الخُطبة فأنكروا عليه، لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يكن يَرْفَعُ له إلا أصبُعُه المباركة. هكذا شَرحه البيهقي، ونقله شارح الإحياء في «الإتحاف».


(١) قلتُ: وقد تكلم عليها القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى في "شرح الترمذي" وتمسك للمذهب بثلاثة وجوه: الأول: قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}. الثاني: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قلتَ لصاحبك يومَ الجمعة والإِمامُ يخطُب أنْصِت فقد لَغَوْت. الثالث: بوجه فِقْهي. ثم أجاب عن قصة سُلَيك من أربعة أَوجه الأول: بإِقامة المعارضة. والثاني: بكونه يحتمل أن يكون في وقتٍ كان الكلام مباحًا فيه في الصلاة، فيكون مباحًا في الخطبة. الثالث: وهو أقوى الوجوه عنده -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كلم سُلَيكا وقال له: صلِّ، فلمَّا كلَّمه وأمَره سقط عنه فَرْضُ الاستماع. الرابع: أن سُلَيكا كان ذا بذاذة فأراد أن يرى الناس حاله. هذا ملخص ما قال في "العارضة" ص (٣٠٢) ج ٢ - ولم نشتغل بتفصيل هذه الأجوبة وذِكر ما فيها مخافةَ الإِطناب، وقد كان الشيخ رحمه الله تعالى يَرُدّ على بعضها، ولا أتذكرها بالتفصيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>