النصر جعل تلك الكلمات وظيفةً لنفسه، قائمًا وقاعدًا، وفي شأنه كلِّه، يتأوَّلُ قوله تعالى:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ}[النصر: ٣]. وهذا يَدُلُّ على أنه ينبغي للإِنسان أن يَرْغَبُ في آخر عمره في الصالحات، أزيد ممَّا كان يَرْغَبُ فيها أولًا. وفيه أيضًا: أن بين الفتح، والمغفرة تَنَاسُبًا، فإنَّ اللَّهَ تعالى إذا عزَّ رسولَه بالفتح، دَلَّ على أن للمفتوح عليه وَجَاهَةً عند ربه، ومغفرةً وفوزًا.
ويُشْكِلُ عليه ما في «الكشاف»: أن سورةَ النصر نَزَلَتْ قبل وفاته صلى الله عليه وسلّم بأربعين يومًا، وقد كانت مكَّة فُتِحَتْ في الثامنة، فكيف يَسْتَقِيمُ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)} [النصر: ١]، فإن {إِذَا} للاستقبال، مع كون الفتح ماضٍ. وقد كَشَفَ عنه الرَّضِيُّ، حيث قال: إن تلك الفاء ليست جزائيةً، بل أَبْرَزَهُ في شاكلة الشرط والجزاء فقط، وفصَّلته في رسالتي «عقيدة الإِسلام في حياة عيسى عليه الصلاة والسلام».
٥٤ - باب مَقَامُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ زَمَنَ الْفَتْحِ
٤٢٩٧ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ أَقَمْنَا مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرًا نَقْصُرُ الصَّلَاةَ. طرفه ١٠٨١ - تحفة ١٦٥٢ - ١٩١/ ٥
٤٢٩٨ - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ أَقَامَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ. طرفاه ١٠٨٠، ٤٢٩٩ - تحفة ٦١٣٤
٤٢٩٧ - قوله:(أَقَمْنَا مَعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم عشرًا)، والظاهرُ أنه في حِجَّة الوَدَاعِ.
٤٢٩٨ - قوله:(أقَامَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ)، وهذا في فتح مكَّةَ (١)، والإِقامةُ إذا كانت بنيَّة السَّفَر غدًا، أو بعد غدٍ لا تُوجِبُ الإِتمام، ولو كانت إلى السنين. على أن إقامتَه في هذا السفرِ مختلفٌ فيها، وما يتحقَّق بعد المراجعة إلى ألفظاه أنها كانت خمسة عشر أيام. وقد مرَّ الكلامُ فيه. وبالجملةِ: ليس في توقيت المدَّةِ شيءٌ من المرفوع لأحدٍ، ولذا اخْتَلَفُوا فيه.
(١) قال الحافظُ ما حاصلُه: إن حديثَ أنسٍ كان في حِجَّةِ الوداع، وحديث ابن عبَّاس في فتح مكَّة.