٢٢٣٧ - قوله:(ومَهْرِ البَغِيَّ)، وترجمة المهر ههنا (خرجى). واعلم أنه وَقَعَ في «حاشية جَلَبي على شرح الوقاية»: أن أجرةَ الزانيةِ حلالٌ عند أبي حنيفة، وهو شنيعٌ جدًا، ومُخَالِفٌ للنصِّ أيضًا. فأَجاب عنه مولانا الكَنْكُوهِي: بأن ما كَتَبَه جَلَبي مسألةٌ من باب الإِجارة الفاسدة، كما يُعْلَمُ من صنيع أصحابنا، فإنهم لم يَذْكُرُوها إلا في هذا الباب، فدلَّ على ما قَصَدُوه، فلا يكون المعقودُ عليه هو الزنا. وصورةُ المسألة: إن استأجر امرأةً لِتَخْبِزَ مثلا، واشْتَرَطَ أن يَطَأَهَا أيضًا، فهذا الشرطُ فاسدٌ. والمسألةُ في الإِجارة الفاسدةِ عندنا: أن الأَجرَ فيها طيبٌ، لكونها مشروعةً بأصلها، وغير مشروعةٍ بوصفها، فلا تكون باطلةً من كل وجهٍ. فالأجرةُ ههنا على الخبز، ولا خَبْثَ فيه، وإنما الخبثُ، لمعنى خارجٍ، وليست الأجرةُ بدلا عنه، فتبقى طيبةً لا مَحَالَةَ.
أقول: لكن يَرِدُ عليه أن المسألةَ عندنا أعمُّ من الإِجارة الفاسدة، كما في «الشامي»، نقلا عن «المحيط»: أن ما أخذته الزانيةُ، إن كان بعقد الإِجارة فحلالٌ، وإلا فحرامٌ اتفاقًا. فهذا يَدُلُّ على كون الزنا نفسه معقودًا عليه، مع التصريح بكون أجرتُه حلالا، فدَلَّ على أن المسألةَ لا تَقْتَصِرُ على الوجه المذكور.
ثم العجبُ أن أصحابَنا نَقَلُوا الإِجماعَ على حُرْمَةِ أجرة الزنا أيضًا، كما في «البحر». وهكذا نقله النوويُّ. وقد مرَّ الحافظُ ابن تَيْمِيَة على تقرير تلك المسألة في كتابه «الصراط المستقيم». ويُسْتَفَادُ منه أيضًا: أن المسألةَ عندنا أعمُّ من الإِجارةِ الفاسدةِ، وغيرها، وحينئذٍ يَعُودُ المحذورُ. ولم يتعرَّضْ ابن تَيْمِيَة إلى هذه المسألة، بل قال: إن الإِجارةَ على عملٍ خاصٍ، تَقَعُ على مطلق العمل. فمن اسْتَأْجَرَ رجلا لِيَحْمِلَ إليه الخمرَ، فهو جائزٌ، لأن الإِجارةَ، وإن كانت على خصوص حمل الخمر، لكنها تَقَعُ على مطلق العمل، فيجوز له أن يَأْمُرِهُ بحمل الماء مكان الخمر. فَخَرَجَ من تعليله هذا: أن المسألةَ عندنا لا تَقْتَصِرُ على الوضع الذي ذُكِرَ، وإن كان الفقهاءُ ذكروها في باب الإِجارة الفاسدة.
فالجوابُ عندي: أن أصلَ تلك المسألة في «المحيط» للبرهاني، ويُعْلَمُ منه: أن المسألةَ مفروضةٌ بين المولى وجاريته خاصةً، فإن آَجَرَهَا المولى للزنا، وجعل له أُجْرَةً طابت له الأُجْرَةُ،