فالسِّرُّ، والجَهْرُ فعلُ العبد، وكلٌّ منهما يَرِدُ على قوله تعالى، فالواردُ مختلفٌ، والمَوْرِد غيرُ مختلفٍ. ثم إنَّ في الآية اختلافًا، فعن ابن عبَّاس:«أنه في الصلاة»، وعن عائشةَ:«أنها في الدعاء»، كما روى عنهما البخاريُّ في الباب. قلتُ: وقولُ ابن عبَّاسٍ أقربُ إلى نظم القرآن، وتأويل قولها: إن المرادَ من الدعاءِ الدعاءُ في الصلاة، أو أن الدعاءَ مِصْدَاقُها أيضًا. ثم إنه قد مرَّ منِّي أن الجهرَ في الآية ليس على ما عُرِفَ عند الفقهاء، ولكنه جهرٌ لغويٌّ. أمَّا السِّرُّ، فذهب الهنْدُواني إلى أنه لا يُعْتَبَرُ فيه إسماعُ (١) نفسه أيضًا، واعْتَبَرَهُ الكَرْخِيُّ، وبقوله أخذ العلماءُ.
قوله:({أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)}) تعرَّض أوَّلًا إلى الجهر والسِّرِّ اللذين هما من الأضداد، ويتعلَّقان بالقرآن. ثم صرَّح بمن {خَلَقَ}، لِيُعْلَمَ أن مع القرآن جزءًا مخلوقًا أيضًا، وليس هو إلَّا من أفعالنا.
٤٥ - باب قَوْلِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -: «رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ فَهْوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَرَجُلٌ يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ هَذَا فَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ»