فتبين من هذا: أن الحديث لم يردْ في القَدَر المُتحتم، وإنما أراد اتكالهم عن الفضائل والفواضل. والحاصل: أن هذا الوعدَ إنما هو بعد لحاظ جميع ما ورد في الشرع من الأوامر والنواهي، ثم الإتكالُ فيما وراء ذلك. ولما أراد أن يبشر به الناس أبهمَ في الشروط وتركَ استيفاء الأمورِ، فإِن البشارة باب آخر، والمناسب لها الإِجمال والإِبهام.
لما ورد الحديث في الطرفين فحديث ابن عمر رضي الله عنه يدُل عل حُسنِهِ، وحديث عائشة رضي الله عنها علي قُبحه، قسمه على الحالات وجعله في بعض الأحوال حسنًا وفي بعضها قبيحًا، فإِن الحياء إذا كان عن تحصيل علم فهو مذموم، وإن كان كما استحى ابن عمر رضي الله عنه فهو ممدوحٌ، فإنه لم يتبدل بسكوته حلال أو حرام، ولكن فاتته فضيلة بالحضرة النبوية عليها الصلاة والسلام، ولعله يؤجر عليها في الآخرة. وعن أبي حنيفة رضي الله عنه في جواب سائل: ما بخلت بالإِفادة ولا استحييت من الاستفادة. وعن الأصعمي: ذِلة السؤال خير من ذلة الجهلة مُدَّة عمره.
١٣٠ - قوله:(إن الله لا يستحي) وقد تأول الناس فيه، وإني لا أتأخرُ عن إسناد أمر أسنده الله سبحانه وتعالى بنفسه إلى نفسه، ولكن أكِلُ علمَ كيفيته إلى الله عزّ وجلّ. ولا أقول كما قال البيضاوي: إن الرحمة عبارة عن رقة القلب فإِسنادها إليه تعالى مجاز. ويا للعجب فإِن الرحمة إذا كان إسنادُها إلى الله تعالى مجازًا فإِلى مَنْ يكون حقيقة؟