للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واشتقاقه من الحيض، فكيف يمكن أن يكون بينهما فرقٌ لغةً، وإنما يقولون: استُحِيضتْ المرأة إذا غلب عليها الدم، ثم الفقهاء يجعلون منه حيضًا واستحاضة على حسب أحكامهم، والحديثُ يُحْمَل على اللغة دون العُرْف الحادِث. ثم إن الفرق بين دم الحيض والاستحاضة عسيرٌ جدًا لا يمكن من حُذَّاقِ الأطباء أيضًا، فلا بد أن يُتَوَسَّع في الأحكام.

ثم إن الدِّعامة في هذا الباب عنوانان: الأول: عِدَّة الأيام والليالي، والثاني: الإقبال والإدبار، والأول أقربُ إلى نظر الحنفية، لأنه إحالة على عادته بدون تعرض ألى الألوان، والثاني أقربُ إلى الشافعية لإيمائه إلى التمييز بالألوان. واستفدتُ من «سنن البيهقي» أنَّ المحدثين أيضًا فَهِمُوا بينهما فرقًا ولذا يُغَلِّطون الرواةَ إذا تفرَّد أحدُهم بذكر أحد العنوانَين مكان الآخر، وعليه مشى أبو داود في كتابه فبوَّب مرةً بمَن قال: تدعُ الصلاةَ في عدة الأيام التي كانت تحيضهن، وأخرى: إذا أقبلت الحيضةُ تدعُ الصلاة. ومن ذكر منهم أحدَهما مكان الآخر نُسِب إلى الوَهَم، ولم أدرِ من كتاب البخاري أنه راعى هذا الفرق أم لا.

أقول: أما الرواة فإنهم لا يفرقون بينهما حتى إنهم يذكرون أحدهما مكان الآخر كما مرّ في «صحيح البخاري». نعم ذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في «الأم» إلى الفرق بينهما، ثم إنه وإن مرَّ مني أن العنوان الأول أقرب لمذهب الحنفية لكنه ما تبيَّن آخرًا - وأن الإنصاف خيرُ الأوصاف - أنَّ محطَّ هذا العنوان ليس إلغاءَ مسألة التمييز أو اعتبار مسألة العادة، بل هو بيان المقدار يعني أنه فوَّض التردُّدَ في عدد أيام الحيض إلى أيام عادتها، فلتعتبرها على عادتها ستة أو سبعة، فالتفويض إلى العادة لهذا لا لإلغاء مسألة التمييز. وقد مرَّ الكلام فيه مفصلًا في كتاب الغُسل، وإنما ذكرناه ثانيًا لبعض المغايرة وبعض الفوائد. راجع «الجوهر النقي».

١٠ - باب غَسْلِ دَمِ الْمَحِيضِ

٣٠٧ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ، كَيْفَ تَصْنَعُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ، فَلْتَقْرُصْهُ ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِمَاءٍ، ثُمَّ لِتُصَلِّى فِيهِ». طرفه ٢٢٧ - تحفة ١٥٧٤٣

٣٠٨ - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ أَخْبَرَنِى ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَتْ إِحْدَانَا تَحِيضُ، ثُمَّ تَقْتَرِصُ الدَّمَ مِنْ ثَوْبِهَا عِنْدَ طُهْرِهَا فَتَغْسِلُهُ، وَتَنْضَحُ عَلَى سَائِرِهِ، ثُمَّ تُصَلِّى فِيهِ. تحفة ١٧٥٠٨

وأجمعت الأُمَّة على نجاسته، ومع ذلك استعمل فيه لفظ النَّضْحِ، فليَتَبَّه.

٣٠٧ - قوله: (سألتِ امرأةٌ) واختُلِف في اسمها.

<<  <  ج: ص:  >  >>