للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأمرين. والتناسُب بين الزَّادين ظاهرٌ، فالمقصود منه الأمر بهذا وهذا. أي تزوّدوا للحج واتقوه أيضًا، فأبرَزَه في شاكلةِ التعليل، لا أنه تعليل منطقي، فإنَّ المقصودَ فيه لا يكون إلا أمرًا واحدًا، والتعليل يكون لتقريره فقط. وههنا المقصود أمران، وقد فصلنا الفرقَ بينهما في رسالتنا «فصل الخطاب»، فإنهم حَمَلوا قوله صلى الله عليه وسلّم «فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ» ... إلخ، على التعليل المنطقي، فناقض أوَّلَ الحديث آخره، وكان محل «إن» لمجرد التناسب، ولكنهم لم يحملوه عليه. ثم قيل: إن الظاهر: التقوى خير الزاد، مكان ({خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى})، فراجع للفرق بينهما كلامَ الزَّمَخْشَري.

٧ - بابُ مُهَلِّ أَهْلِ مَكَّةَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ

١٥٢٤ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ، مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ. أطرافه ١٥٢٦، ١٥٢٩، ١٥٣٠، ١٨٤٥ - تحفة ٥٧١١

قد علمت أنَّ المصنفَ لم يفرق بين ميقات الحج وميقات العمرة، ولا شيءَ عنده غير العمومات، وقد علمت المسألة عندنا.

١٥٢٤ - قوله: (ممن أراد الحج والعمرة) تمسك به الشافعية على أن الإِحرام إنما يجبُ على مَنْ دخل مكة معتمرًا أو حاجًا، أما مَنْ لم يردهما، بل أرادَ التجارةَ أو غيرها، فليس عليه إحرام. ويجبُ عليه الإِحرام عندنا مطلقًا، لأنه لتعظيم البقعة المباركة، فيستوي فيه الحاجُّ وغيره، فكأن الإِحرام عندنا لازمٌ لمن دَخَلها. وأما عند الشافعية فموقوفٌ على إرادته إحدى العبادتين. وقوله: «فمن أراد الحج والعمرة» نص لهم.

قلنا: إن التمسك به يتوقف على مقدمةٍ أخرى، وهي كون تلك الإِرادة غير لازمةٍ عليه، فإن قلنا: إن إرادة إحدى العبادتين واجبةٌ عليه، فلا تمسُّك لهم فيه. وقد علمت أن وِزانَه وِزانُ لفظ الخير، وهذا يستعمل في الفرائض أيضًا، ولا دليل في لفظ الإِرادة فإِنها كما تكون في المُستحبَّات تكون في الفرائض. فإنَّها مما لا بد منه في جميع الأفعال الاختيارية.

وبعبارة أخرى نقول: إن مَنْ مرّ بالمواقيت يجبُ عليه أن يريدَ إحدى العبادتين عندنا، وعند الشافعية هو مخيّر، إن أراد أن يفعل فعل، وإلا لا. وفهموا أنَّ الحجَ والعمرة إذا توقف على إرادته لا يكون واجبًا أصلا. قلنا: إنما يتم ذلك لو ثبت أن الإِرادة لا تُستعملُ إلا في الجائزات، وليس بثابتٍ، فإنَّها تُستعمل في الواجبات، كلفظ الخير (١). وليس مرادُنا من الأفعال الاختيارية


(١) قلت: ومن نظائره قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أراد الحج فليعجل". وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أراد فليغتسل". وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإذا دخل العشر وأراد بعضكم أن يضحى فلا يمس من شعره" على مذهب الحنفية. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أراد منكم الصوم فلا =

<<  <  ج: ص:  >  >>