قوله:(قال أبو عبد الله: {وَحَصُورًا}: لا يأتي النساء) ومر عليه الشيخ الأكبر، وقال: إن زكريا عليه السلام لما رأى مريم عليها السلام، وما بها من نعمة الله، ظاهرًا وباطنًا، حيث كان يأتيها رزقها بُكرة وعشيًا، وكانت عفيفةً راغبةً عن النكاح، تعجب منها، وعند ذلك دعا أنْ يُرزَق ابنًا، فكان من أثر دعائه أنه أُعطي ولدًا حصورًا متجنبًا عن النكاح، كتجنبها عنه.
ثم اعلم أن الحكم في الإِحصار عندنا أنْ يبعثَ دمًا يُذبحُ بالحَرَم، ويُوَاعِده أنْ يذبحه يوم كذا، فإذا جاء ذلك يَحِل في مقام الحصر، ويقضي من قابل. ودمُ الإِحصار لا يتقيد عندنا بالزمان فيجوز ذبحُه قبل يوم النحر، وإن تقيَّدَ بالمكان فلا يذبحه إلا في الحَرَم. وقال الشافعية: إن الإِحصار مختصٌّ بالعدو، ولا يتقيَّدُ دمُ الإِحصار عندهم بالمكان أيضًا، ولا يجب عليه القضاء.
وأصل النزاع في عُمرة الحُدَيْبِيَة:
فقال الحنفية: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قَضَاها من قابلٍ، ولذا سميت عُمرة القضاء، على أنَّ في السِّير أنه نادى في الناس عند خروجه لعمرة القضاء: أن يذهبَ معه كلُّ من كان رافقه في عمرة الحديبية.
وقال الحجازيون: القضاءُ فيه بمعنى الصلح، سميت به لأنَّه صالَحهم عليها من قابلٍ، وليس مقابلا للأداء.
ثم إنَّ الشافعية لما لم يكن عندهم الإِحصار بالمرض، اضطروا إلى إقامة باب آخر، وهو الاشتراط في الحج، كما في قِصة ضباعة بنت الزبير، فالمريض عندهم يُهِلُّ ويشترط: اللهم مَحِلِّي حيث حبستني. والحنفية لما عمموا الإِحصار استغنوا عن هذا الباب. ووافقنا البخاري على ذلك أيضًا، فلم يخرجْ حديثَ الاشتراط في كتاب الحج، وأخرجه في كتاب النكاح. وسيأتي الجوابُ عن الحديث في محله إن شاء الله تعالى.
٢ - باب إِذَا أُحْصِرَ الْمُعْتَمِرُ
١٨٠٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِى الْفِتْنَةِ قَالَ إِنْ صُدِدْتُ عَنِ الْبَيْتِ صَنَعْتُ كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ. أطرافه ١٦٣٩، ١٦٤٠، ١٦٩٣، ١٧٠٨، ١٧٢٩، ١٨٠٧، ١٨٠٨، ١٨١٠، ١٨١٢، ١٨١٣، ٤١٨٣، ٤١٨٤، ٤١٨٥ - تحفة ٨٣٧٤
١٨٠٧ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - لَيَالِىَ نَزَلَ الْجَيْشُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَا لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَحُجَّ الْعَامَ، وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ. فَقَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَأُشْهِدُكُمْ أَنِّى قَدْ أَوْجَبْتُ الْعُمْرَةَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْطَلِقُ،