للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عليه الحافظ، وقال: إن الحافظ جمال الدين الزَّيْلعي أكثرُهم تتبُّعًا، وهو يعترف بأنه لم يجد قدحَ ابن معين. وأقول أنا أيضًا: لم أجد قدحَ ابن معين، نعم، قدحُ إبراهيم النَّخَعي موجود في «كتاب الآثار» لمحمد بن الحسن، إلا أني رأيت في «مسند الخوارزمي» (١)، وله مهارةٌ كاملة، واطلاع تام، وفيه نقل قدحَ يحيى بن مَعِين، لكنه لم يذكر مأخذه ولو ذكره لكان أولى وأفيد. انتهى مع تغيير في العبارة، وتخريج للأحاديث.

واعلم أن مسألة المسكرات عسيرة جدًا من حيث تواترَ الأحاديث في جانب الجمهور، فليس لنا للتأويله مساغٌ إلا بنوع من التَّمحل، ولذا أعرض عنها الشيخ، وقد كان نبهنا في درس الترمذي على أنه تعرض إليها الفاضل شهاب الدين أحمد، المعروف بابن عبد ربه الأندلسي في كتابه «العقد الفريد» فلم يتفق لنا المراجعة إليه، حتى حان تسويد هذه الأوراق، وحينئذ أردنا أن نأتيك بملخص منه، فإنَّه قد أطال فيه الكلام، ونتحفك منه بقدر ما يتعلق بموضوعنا إن شاء الله تعالى.

الفرق بين الخمر والنَّبيذ

أولُ ذلك أن تحريم الخمر مجمعٌ عليه، لا اختلاف فيه بين اثنين من الأئمة والعلماء، وتحريمُ النبيذ مختفٌ فيه بين الأكابر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم والتابعين، حتى لقد اضطر محمد بن سيرينَ - مع علمه، وورعه - أن يسأل عبيدة السلماني عن النبيذ، فقال له عبيدة، - ممن أدرك أبا بكر، وعمر: فما ظنك بشيءٍ اختلف فيه الناس، وأصحاب النبيِّ عليه الصلاة والسلام متوافرون، فمن بين مطلِقٍ له، ومحظِّرٍ عليه، وكل


(١) قلت: وراجعت له -المسند- فلم أجده فيه، ولكن فيه عن إبراهيم، وأبو حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم، أنه قال: قول الناس: كل مسكر حرام، خطأ من الناس، إنما أرادوا أن يقولوا: السكر حرام من كل شراب اهـ "مسند الخوارزمي"، وليس عندي "كتاب الآثار" لمحمد، فليراجع، فلعله وقع فيه سهوٌ من الجامع، والله تعالى أعلم، ثم رأيت في "بداية المجتهد" قال يحيى بن معين هذا -كل شراب أسكر فهو حرام-: أصح حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم المسكر، اهـ: ٤٠٣ - ج ٢، ثم إن مقولة يحيى بن معين هذه نقلها مولانا عبد الحي في - السعاية وبسط الكلام فيها؛ والجواب عنه، فليراجع؛ وراجع لما ذكره الشيخ من الآثار "الجوهر النقي" من: ص ١٩٠، وص ١٩٢ - ج ٢؛ وقال ابن رشد: أما الخمر فإنهم اتفقوا على تحريم قليلها وكثيرها، أعني التي هي من عصير العنب، وأما الأنبذة فإنهم اختلفوا في القليل منها الذي لا يسكر، وأجمعوا أن المسكر منها حرام، فقال جمهور فقهاء الحجاز، وجمهور المحدثين: قليل الأنبذة وكثيرها المسكرة حرام، وقال العراقيون، إبراهيم النخعي من التابعين، وسفيان الثوري، وابن أبي ليلى، وشريك، وابن شبرمة، وأبو حنيفة، وسائر فقهاء الكوفيين، وأكثر علماء البصريين: إن المحرم من سائر الأنبذة المسكرة السكر نفسه لا العين، اهـ "بداية المجتهد" ص ٤٠٣ - ج ٢، وراجع البسط منه، فإنه قرر للحنفية تقريرًا حسنًا جدًا، ونبه الخطابي في "المعالم" على فائدة في قوله: كل ما خامر الحقل من شراب فهو خمر، قال: وفيه إثبات القياس، وإلحاق حكم الشيء بنظيره، وفيه دليل على جواز إحداث الاسم للشيء من طريق الاشتقاق بعد أن لم يكن، اهـ: ص ٢٦٢ - ج ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>