وقد كان يَحْظُرُ بالبال أن في تراجمه سوءَ ترتيبٍ، فإنه قد تعرَّض إلى كيفيات الخِيَار قبل تقرُّر حقيقته. والذي يَتَبَادَرُ إلى الذهن أن يُتَرْجِمَ أولا على نفس الخيار ثم إلى سائر كيفياته. وتبيَّن آخِرًا أن المصنِّفَ جعل الخِيَارَ في البيع أصلا، وعدمه تَبَعًا على خلاف نظر الحنفية. فإذا كان الخِيَار عنده أصلا، لم يَرَ حاجة إلى تقديمه، لكونه مفروغًا منه عنده، ودخل في فروعه.
٢١٠٧ - قوله:(إن المُتَبَايِعَيْنِ بالخِيَار في بَيْعِهِمَا ما لم يتفرَّقا، أو يكون البيعُ خِيَارًا)، وفي لفظَ:(أو يقول أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ، وربما قال: أو يكونُ بيعَ خِيَارٍ)، اعلم أن الخِيَارَ عندنا: إمَّا خيار الشرط، أو الرؤية، أو العَيْب، أو خيار القَبُول. ولا عِدَةَ بخِيَار المَجْلِس، وهو مذهب مالك، واعتبر به الشَّافِعيَّة، وأحمد، وقالوا: إن للعَاقِدَيْن خِيَارًا بعد الإِيجاب والقَبُول أيضًا يُسَمَّى بخِيَار المَجْلِس. وذا يَقْتَصِرُ على المَجْلِس فقط، فكلٌّ منهما في مُكْنَةٍ بين فَسْخ البيع وإمضائه، ما داما في المَجْلِس، فإذا تفرَّقا عنه لم يَبْقَ لهما هذا الخِيَار، وتحتَّم البيع. وقال الحنفيةُ: إن البيعَ يَتِمُّ بالإِيجاب والقَبُول، فإذا فَرَغَا منه لم يَبْقَ لهما خيارٌ لزوميٌّ في الرَّدِّ والقَبُول، إلا أن يكونا شَرَطَا الخيار.
ثم قال الشافعيةُ: إن خِيَار المَجْلِسِ ينتهي بقول أحدهما للآخر: اخْتَرْ، فإذا قال أحدهما للآخر: اخْتَرْ، وقال له الآخر: اخْتَرْتُ، تمَّ العقدُ، وانتهى الخِيَار الذي كان لهما في المَجْلِسِ، عند القائل به، ولم يَبْقَ لهما بعد ذلك خِيَارٌ تفرَّقا عن المجلس، أو لا، إلا أن يكونا شَرَطَا خِيَارَ الشرط. فحينئذٍ يبقى الخِيَارُ بعد المَجْلِس أيضًا.
فالحاصل أن القول:«اخْتَرْ اخْتَرْ» لقصر الخيار الممتدّ إلى المَجْلِسِ، وشَرْطِ الخِيَار لامتداده إلى ما وراء المَجْلِسِ أيضًا. وبهذا تبيَّن شرح الحديث: فإن حملنا قوله: «أو يكون البيع خِيَارًا» على خِيَارِ الشرط يكون لامتداده إلى ما وراء المَجْلِسِ. وإن أردنا منه القول:«اختر»، فهو لقصره في المَجْلِسِ.
قلتُ: والظاهر من قوله: «أو يكون البيع خِيَارًا»: هو خِيَار الشرط، كما في اللفظ الآخر: