للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عن المَجْلِسِ. فذلك وإن لم يَسْتَحْسِنْهُ العلماءُ، إلا أنه يَدُلّ على عدم تعامل الصحابة، وتوارثهم في البلدةِ المُطَهَّرَةِ، وكفانا بهم قُدْوَة.

٤٣ - باب إِذَا لَمْ يُوَقِّتْ فِى الْخِيَارِ هَلْ يَجُوزُ الْبَيْعُ

٢١٠٩ - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ». وَرُبَّمَا قَالَ أَوْ يَكُونُ بَيْعَ خِيَارٍ. أطرافه ٢١٠٧، ٢١١١، ٢١١٢، ٢١١٣، ٢١١٦ - تحفة ٧٥١٢

والخيارُ عندنا، وعند الشافعي مُؤَقَّتٌ بثلاثة أيام، ولم يُؤَقِّتْهُ صاحباه بشيءٍ، ولعلَّه مختار البخاريِّ.

٢١٠٩ - قوله: (ما لم يتفرَّقا، أو يقولُ أحدُهما لِصاحبه: اخْتَرْ، وربما قال: أو يكونُ بيعَ خِيَارٍ)، واعلم أنك قد عَلِمْتَ الفرق بين الخياريْن. فإن قوله: اخْتَرْ اخْتَرْ، لقطع الخيار في المجلس، وبيعُ الخيار، لِمَدِّهِ إلى ما وراء المجلس. فهما معنيان، والشَّكُّ بينهما غيرُ مناسبٍ، وإنما يُنَاسِبُ فيما يتَّحِدُ في المعنى، ويَخْتَلِفُ في اللفظ. أمَّا إذا اختلف المعنى، فلا يُنَاسِبُ الشَّكُّ فيه، لأنه لا معنى لقوله: «أو يقولُ أحدُهما لصاحبه: اخْتَرْ، أو يكونُ بيعَ خِيَارٍ»، بالعطف. إلا أن الرواةَ كثيرًا ما يَقْتَحِمُونَ مثله.

ومحصَّل الكلام: أن في الحديث ثلاثة أشياء: الأول: خيارُ المَجْلِسِ. والثاني: القول: اخْتَرْ اخْتَرْ. والثالث: خيار الشرط. وتفسيرُ خيار الشرط بقوله: اخْتَرْ اخْتَرْ، من أجل شكِّ الرواة في هذين في بعض المواضع، غيرُ مُلائِمٍ. وتغييرُ معاني الألفاظ من أجل اختلاط الرواة، غيرُ مُنَاسِبٍ. أَلا ترى أن قوله: «بيع الخيار» - بالإِضافة - يعيِّن إرادة النوعية، فهو نوعٌ مستقلٌ، فلا يكون المرادُ منه القول: اخْتَرْ اخْتَر. ولا نُنْكِرُ ثبوته في الحديث، إنما نقول: إنه معنى على حِدَة، وذلك على حِدَة، فلا يَتْبَعُ أحدهما الآخر في التفسير، فافهم.


= بقي استعظام ابن أبي ذِئْب، فذاك أمرٌ فُطِرَ عليه الإِنسانُ، فإنه لمَّا طَرَدَهُ مالك عن مجلسه، فماذا يقول بعده. ولو كان هينًا لينًا لبجَّلَهُ وعزَّرَهُ، وما تقدَّم إلى ما قَدِمَ. والتعامُل إذا كان تعامُل الصحابة والتابعين، فهو أمرٌ أهمُّ أيضًا.
ومن لا يرى العملَ بحديثٍ ببلدة صاحب ذلك الحديث، مع وفور داعية العمل، حقَّ له أن يتردَّدَ لأجله في الحديث، ويتركه بهذا التعامُل. فإن العاملين هم حاملو الحديث، فإذا تركوا به العملَ هؤلاء، فمن دونهم أوْلَى، فذاك أمرٌ معقولٌ ليس مما يُلام عليه. وكذلك كون حدِّ التفرُّق مجهولًا أيضًا صحيحٌ، ثم تعيينه من نحو تبسط في الكلام، مما لا يعجز عنه الفحول، وأن بعضكم ألحن بحجته من بعض، ثم رأيت كلامَ أبي بكر الرازي في "الأحكام"، فاتَّضَحَ منه كلام مالك، قال: وَيدُلُّ عليه من جهة النظر أن المَجْلِسَ قد يَطول وَيقْصُر، فلو علَّقنا وقوعَ المِلْكِ على خِيَارِ المَجْلِسِ، لأوجب بُطلَانَة لجهالة مدَّة الخيار الذي عُلِّقَ عليه وقوع المِلْكِ. ألَا ترى أنه لو باعه بيعًا باتًا، وشَرَطَا الخيارَ لهما بمقدار قعود فلان في مجلسه، كان البيعُ باطلًا، لجهالة مدَّة الخِيَارِ الذي عُلِّقَت عليه صحة العقد. والله أعلم بالصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>