وهذا كالعُرْفِ الجاري، والعادة المعلومة في التقابُض، وهو يختلف في الأشياء: فمنها ما يكون بالتقابُض فيه بأن يَجْعَلَ الشيءَ في يده، ومنها ما يكون بالتَّخْلِيَة بينه وبين المبيع. وكذلك الأمرُ في الحِرْزِ الذي يتعلَّق به وجوب قطع اليد: فإن منه ما يكون بالإغلاق والإقفال، ومنه ما يكون بيتًا وحِجَابًا، ومنها ما يكون بالشرائح، ونحوها، وكل منها حِرْزٌ على نحو ما جَرَت به العادةُ. والعُرْفُ أمرٌ لا يُنْكِرُهُ مالك، بل يقول به، وربما ترقَّى في استعماله إلى أشياء لا يقول بها غيره، وذلك من مذهبه معروفٌ، فكيف صار إلى تركه في أحق المواضع به! حتى يَتْرُكَ له الحديث الصحيح؟! والله يغفر لنا وله. وإن كان ابن أبي ذِئْب يَستَعْظِمُ هذا الصنيع من مالك، وكان يتوعَّده بأمرٍ لا أحبُّ أن أحكيه، والقصة في ذلك عنه مشهورة. اهـ. قلتُ: وجهالة الحدِّ في باب التفرُّق، كجهالة القُلَّتَيْنِ في حديث ابن عمر، فاحتاجوا إلى تحديدٍ في الموضعين، وقد ألزموا بها في الموضعين، وإنما اعتنيتُ بالعبارة المذكورة، لِتَعْلَمَ قدر الافتراق عند الشافعية، ثم تَنْظُرَ في أن ما ألزمه الحنفيةُ على الشافعية في قصة أبي بَرْزَة الأسْلَمِيِّ المارَّة، هل يَلْزَمُ عليهم أم لا؟ فإن الافتراق عندهم لا يَحْصُلُ بمجرد القيام، بل كما أن الافتراقَ من البيت يكون بالخروج، كذلك يُمْكِنُ أن يكونَ الافتراقَ من السفينة عندهم. وحينئذٍ لا يَلْزَمُ عليهم ما ألزموا، ويكون لجوابه طريق آخر. والله تعالى أعلم بالصواب. =