جَزَمَ البخاري هنا بمذهب الإِمام الأعظم رحمه الله تعالى وترك مذهب الشافعية. قال الحنفية: إن الإِسباغ في المسح هو بالاستيعاب، لأنه لا يُنَاسبُه التثليث.
١٩٢ - قوله:(من ماء) هذا تصريحُ بكونِ الماءِ واحدًا.
قوله:(وقال مسح برأسه مرة) وفَهِمَ هذا الراوي عينَ ما فهمه الحنفية: أن الإِقبال والإِدبار حركتان، والمسحُ واحد. ولم يحملهما على التكرار في المسح كما فَهِمَه الشافعية رحمهم الله تعالى.
واعلم أن تَطُّرَ الرجل والمرأة من إناء واحد جائزٌ بإِجماع المسلمين، وكذا تطهر المرأة بفضلِ الرجلِ أيضًا جائزٌ بالإِجماع. وأما تطهر الرجل بفضلها، فذهب جمهورُ السلف والأئمة الثلاثة إلى جوازه، سواء خَلتْ بالماء أو لم تخِلِ. وقال أحمد وداود: إنها إذا خلت بالماء واستعملته لا يجوزُ للرجلِ استعمال فضلها. وجمِعِ الخَطَّابِي بين أحاديث النهي عن الفضل وجوازه: بأن المراد من الفضل في أحاديث النهي المُتَساقط من الأعضاء، وفي أحاديث الجواز ما بقي في الإِناء.
وحاصله: أنه نهى عن استعمال الماء المتساقِطِ من الأعضاء، وأباح استعمالَ الماءِ الباقي في الإِناء، فلا تنافي بين الحديثين.
وقال آخرون: بل المراد به في الحديثين هو الباقي في الإِناء، والنَّهي لئلا تخطَر ببالِهِ الوساوس الشهوانية. ويرد عليهم قوله:«وليغترفا جميعًا»، فإن النهي إن كان لأجل الوساوس، فهي في حالة الاغتراف جميعًا أزيدُ وأكثر منها في حالة الانفراد. وحمله بعضهم على التنزيه، وهو الصواب، إلاّ أنهم لم يُبيّنوا مرادَ الحديث، وهو مع كونه بديهيًا عسيرٌ. وكأنه من قبيلِ السهلِ المُمتنع، وقد كشفَ اللهُ على مرادَه.
فاعلم أنَّ النَّهي في الغسل ورد من الطرفين، كما هو عند أبي داود: نهى الرجل أن يغتسل بفضل المرأة، والمرأةَ بفضلِ الرجل» وفي الوضوءِ من جانبٍ واحدٍ فقط، فنهى الرجلَ عن فضلِ المرأة، ورأيتُ عكسَه أيضًا في بعض الروايات، إلاّ أن المحدثين عللوه. ومناطُ النَّهي عندي: هو صِيَانة الطَّهُور عن وقوع الماء المُسْتَعْمَل فيه، كما مرّ مني: أنَّ الماء المُسْتَعْمَل وإن لم يكن