للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هذا وههنا بحث آخر وهو أَنَّ الحُكْم إذا كان خاصًا والتعليل عامًا فهل يعم الحُكْم بعموم التعليل؟ فذهب جماعة إلى أَنَّ الحُكم يدورُ على النُّطْقِ ويَثْبُت الحُكْم فيما وراءه بالقياس، وقال جَمَاعة: إنَّ التعليلَ إذا كان عامًا فما وراء المنطوق أيضًا يكونُ داخلا في المَنْصُوصِ والنَّظر الأَوَّل يفيدُنا شيئًا، وقد يَخْطُر بالبال أنَّ قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} ... الآية جزء العِلَّة، والجُزْء الآخر منها أنهم يَدْخلون في المسجد الحرام زاعمين أنَّه من حقهم وحقّ آبائِهم بخلافِ المساجد الأخرى، فإنَّها بناها أهل الإِسلام فلا يرون فيها حقًا، فنهاهم الله أن يَدْخلوا فيه، وصدع أَنْ لا حقَّ لهم فيه كما في سائر المساجد، وإنَّما المساجد لله، وحينئذٍ حكم عدم القُرب يَتَفَرَّع على هذا المجموع، وذا لا يوجد إلا في المسجِد الحرام، فلا يكون الحُكم إلا عليه، ويَبْقَى سائر المساجد خارجة عنه.

بقي البحث في أنَّ التَّعْلِيل بجُزْء العِلَّة يجوز أم لا؟ فصرح الغَزَالي أنَّه يجوز، فلو كان التَّعليل بالجُزْء جائزًا لخرجنا عن عُهدة النَّص رأسًا برأس. قلت: والفْصَلُ فيه أَنَّ الإِضافةَ على العِلَّة إن لم يَسْتَوْجِب رِكَّة في النَّص فهو جائزٌ وإلا فمحل تردد.

فإن قلت: إذا كانت العِلَّة مجموعُ الأمرين فَلِمَ اقتصر على أحدِهما؟ قلت: لا بأس بالاقْتِصَارِ على الأدخل منهما، وأهل العُرف لا يراعون الطَّرْد والعكس، بل يَذْكرون ما يكون أدخل في الحكم، والأدخل ههنا كونهم مشركين، أما كونهم داخلين بالدَّعْوَى والزعم المذكور، فهو وإنْ كان مؤثِّرًا أيضًا لكنَّه دونَه فَحَذَفَه اعتمادًا، ثُمَّ أقول إنَّ تسميتَه بِتَخْصِيص العِلَّة أولى من التعليل بالجُزْء، وتَخْصِيص العِلَّة جائزٌ، وهذا كله بَحْثٌ مني فليحرر على الأصول. ولك أَنْ تقول إنَّ الآيةَ مجمَلة فلحق نداء عليّ رضي الله عنه بيانًا لها، وذلك لأنَّهم قالوا: إنَّ الإجمال إنَّما يأتي إما من جهة غَرَابَة اللفظ أو ازدحام المعاني، وليس ههنا واحدٌ منهما، نعم إنْ كان الإِجمال بحسب مرادِ المتكلم أيضًا فذلك هو المراد ههنا، كمال قال الحنفية في آيةِ المسيح إنها مجملة، وأنت تعلم أَنْ لا إجمال فيها إلا بحسب مرادِ المتكلم. أما أن مراد المتكلم هل يجب أن يُساوي مدلول اللفظ، فقد بسطناه في المقدمة.

٨٣ - باب رَفْعِ الصَّوْتِ فِى الْمَسَاجِدِ

٤٧٠ - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كُنْتُ قَائِمًا فِى الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِى رَجُلٌ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ اذْهَبْ فَأْتِنِى بِهَذَيْنِ. فَجِئْتُهُ بِهِمَا. قَالَ مَنْ أَنْتُمَا - أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا قَالَا مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ. قَالَ لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تحفة ١٠٤٤٢

٤٧١ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِى حَدْرَدٍ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ، فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>