سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِى بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ وَنَادَى «يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ، يَا كَعْبُ». قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ. قَالَ كَعْبٌ قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «قُمْ فَاقْضِهِ». أطرافه ٤٥٧، ٢٤١٨، ٢٤٢٤، ٢٧٠٦، ٢٧١٠ - تحفة ١١١٣٠
وفي «المرقاة» أَنَّ الجهرَ في المسجد ولو بالذكر حرام، ونَقَل عن مالك رحمه الله أنَّ احترام النَّبي صلى الله عليه وسلّم بعد وفاته أيضًا كما كان في حياته.
وفي البيهقي عن أنس وصححه ووافقه الحافظ في المجلد السادس «أنَّ الأنبياء أحياءٌ في قبورهم يصلون». أَشْكَل عليهم مراده، فإنَّ الروح نفسها حياة لا فناء لها سواء كانت رُوح الكافر أو المؤمن، فالأرواحُ كلها أحياء، فما معنى كون الأنبياء أحياء؟ فاعلم أنَّ تلك الأحاديث لم تَرِد في بيان حياة نفس الرُّوح ومدتها، لأنَّ حياتَها مفروغة عنها بل في تعطلها عن الأفعال وعدمه، وحينئذٍ معناه أن أَرْوَاح الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام ليست بمعطلة عن العبادات الطيبة والأفعال المباركة، بل هم مشغولون في قبورهم أيضًا كما كانوا مشغولين حين حياتهم في صلاةٍ وحج، وكذلك حال تابعيهم على قدر المَرَاتِب بخلاف من كان مُعطَّلا عنها في حياته، فإنَّه يكون معطَّلا في قبره أيضًا {وَمَن كَانَ فِى هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِى الأخِرَةِ أَعْمَى} وإلى هذا أشار بقوله: يُصلون، فَذَكَر لهم عبادة ليُنبه على معنى حياتِهم فهم يُصلُّون ويحجون في قبورهم، ويفعلون أفعال الأحياء، فهم أحياء بهذا المعنى، وهذا عُرف عام يقال للمعطَّل عن الأفعال إنه ميت وإنْ كان حيًا، فَعُلِم أَنَّ أَصْلَ الحياة عبارة عن أفعالها، وحقيقة الموت (عبارة) عن التعطُّل عنها. على وزان قولهم: إنَّ العِلْمَ حياة، والجهلَ موت، ومن ههنا انحل حديثٌ آخر رواه أبو داود في رد رُوْحِه صلى الله عليه وسلّم حين يُسَلَّم عليه صلى الله عليه وسلّم ليس معناه أَنَّه يَردُ روحه أي أنه يَحيى في قبره، بل تَوجُّهُه من ذلك الجانب إلى هذا الجانب، فهو صلى الله عليه وسلّم حي في كلتا الحالتين بمعنى أنَّه لم يطرأ عليه التعطُّل قَط، لكنَّه كان مستهلِكًا في التوجه إلى حضرة الربوبية، فإِذا سُلِّم عليه رُدَّ عليه روحه بمعنى شَغَلَهُ بذلك الجانب الذي كان معطَّلا عنه قَبْلَه.
ثم الحياة فيها مراتب لا يعدها عاد ولا يحصيها محصىٍ، فحياةُ الأنبياء أعلى وأتم، وحياةُ الصحابة دونَها ثُمَّ، وثم بخلاف الكافِر، فإنَّهُ مَيْت في قبره بمعنى أنَّه معطَّل عن جميع الخيرات، ليس له غير الويل والثُبور لا بمعنى فناءِ روحِهِ ولذا قال تعالى:{لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى}[الأعلى: ١٣] أمَّا أَنَّهم لا يموتون، فلأن الأرواحَ لا فَنَاءَ لها ولا موت، وأمَّا عدمُ حياتِهِم فلانْتِفَاءِ أفعالِ الأحياء عنهم، وأَفْعَالُ الأحياء هي الخيرات والحسنات، دون الفسق والفجور، كما في الأحاديث:«إن الذكر حياة، والذاكر حي، والغافل عنه ميت»، وروى الدَّيْلَمِي أن النبي صلى الله عليه وسلّم أَنْشَد مرة قول القائل:
وما تتصرف الأرواح الخبيثة مِنَ الأفعالِ الخبيثة فلا يُسمى أفعال الحياة، وليست تلك إلا أشياء البركة، ولذا قررتُ فيما مرَّ أَنَّ قوله:«لا تتخذوها قبورًا» محمولٌ على الحس، وهو أيضًا