قَالَ فَمَكَثَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِىَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ - وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ - قَالَ «أَيْنَ السَّائِلُ». فَقَالَ أَنَا. قَالَ «خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ». فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا - يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ - أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِى، فَضَحِكَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ «أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ». أطرافه ١٩٣٧، ٢٦٠٠، ٥٣٦٨، ٦٠٨٧، ٦١٦٤، ٦٧٠٩، ٦٧١٠، ٦٧١١، ٦٨٢١ تحفة ١٢٢٧٥ - ٤٢/ ٣
١٩٣٦ - قوله:(فهل تَسْتَطِيعُ أن تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْن)، وفي روايةٍ عند البزَّار - في جوابه:«هل لَقِيتَ ما لَقِيتَ إلا من الصيام». اهـ؛ فتجري فيه خِلافيَّةٌ أخرى، وهي أن شدَّةَ الشَّبَقِ عذرٌ، أو لا؟ فأَنْكَرَهُ الحنفيةُ، وقال به الشافعيةُ. فالحديثُ حُجَّةٌ علينا، فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم عدَّه عذرًا للعدول عنه إلى الإِطعام. وهو عندي محمولٌ على خصوصيته، كما أن كفَّارتَه بالمقدارِ المخصوصِ مختصٌّ به عند آخرين أيضًا. فعند أبي داود، عن الزُّهْرِيِّ:«إنما كان هذا رخصةً له خاصةً»، وهكذا عند الدَّارَقُطْني. وأجاب عنه الطحاويُّ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لمَّا عَلِمَ حاجةَ الرجل أعطاه ما أعطاه من التمر يَسْتَعِينُ به فيما وَجَبَ عليه، لا على أنه جميعُ ما وَجَبَ عليه. كالرجل يَشْكُو إلى الرجل ضَعْفَ حاله، وما عليه من الدَّيْن فيقول: خذ هذه العشرة دراهم، فَاقْضِ بها دَيْنَكَ. ليس على أنها تكون قضاءً عن جميع دَيْنِهِ، ولكن على أن يكونَ قضاءً بمقدارها من دَيْنِهِ اهـ.
ولك أن تقول: إنه كان أعرابيًا لم يكن له علمٌ بكثير من الحلال والحرام، وقد عَلِمْتَ أن الجهلَ كان عُذْرًا في بَدْء الشرع، فَتَسَامَحَ عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلّم وجعل شِدَّةَ الشَّبَقِ عذرًا في حقِّه، واكتفى بذلك المِكْتَل كَفَّارةً في حقِّه. ومآلهُ إلى التخصيص مع بيان السبب له، وقد قرَّرناه في مواضعَ شتَّى. وإنما لم يَعُدَّ الحنفيةُ شِدَّة الشَّبق عذرًا، لأنه يُوجِبُ فتح باب الجنايات، فإن لكلِّ أحدٍ أن يتمسَّك به، ويَهْتِكَ حرمات الله تعالى، فَحَمَلُوه على الخصوصيّة (١).
١٩٣٧ - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ إِنَّ الأَخِرَ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِى رَمَضَانَ. فَقَالَ «أَتَجِدُ مَا تُحَرِّرُ رَقَبَةً؟». قَالَ لَا. قَالَ «فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟». قَالَ لَا. قَالَ «أَفَتَجِدُ مَا تُطْعِمُ بِهِ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟». قَالَ لَا. قَالَ فَأُتِىَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ - وَهُوَ الزَّبِيلُ - قَالَ «أَطْعِمْ هَذَا عَنْكَ».
(١) قلتُ: إن شدَّةَ الشَّبَقِ لم تُعدَّ عُذرًا عند الشافعية في الأبواب الأُخر، فمن وَاقَع امرأته في الحجِّ قبل عَرَفة، فَسَدَ حجُّه إجماعًا بدون فصلٍ، ويجب عليه الدمُ. ولم نَعْتَبِرْه ههنا أيضًا.