للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قوله: (ذلكم خيرٌ لكم) ومرَّ عليه ابنُ تيمية وقال: إنَّ السَّعي إليها فرضٌ بالإجماع، ومع ذلك أطلق عليه لفظ الخير (١). وفيه دليل أنَّ الخيرَ يطلق على الفَرْض كما قلت في حديث «أمراء الجَوْر»: «فإنّها لك نافلة»، أطلق لفظ النّافلة على المكتوبة. وفي أحاديث فضل الوضوء أنه يتوضأ فتنحَطّ عنه سيئاته، حتى تبقى له الصّلاة نافلة.

٨٧٦ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِى فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ». أطرافه ٢٣٨، ٨٩٦، ٢٩٥٦، ٣٤٨٦، ٦٦٢٤، ٦٨٨٧، ٧٠٣٦، ٧٤٩٥ - تحفة ١٣٧٤٤

٨٧٦ - قوله: (ثُم هذا يومُهُم الذي فُرِض عليهم) واختَلف فيه الشّارحون، فقيل: إنّه افترِض عليهم عينًا، ثم اختلفوا فيه، وقيل: بل فُوِّض إلى اجتهادهم فلم يُصيبوا وأخطأوا في تعيينه.

[فائدة]

واعلم أن السبت هو التّعطيل في اللُّغة العِبْرانية. وقد ثبت عندي من التوراة أن السبت كان اسمًا للجمعة ولا أدرى متى وقع فيه التحريف، وكُتِبَتْ شروح التوراة في بيت المقدس وبابلٍ ويقال لها «كمارى»، وفيها أنَّ موسى عليه الصّلاة والسّلام كان يَعِظُهم يوم الجمعة ويبشِّرُهم بنبأ النَّبيِّ السّبتيّ، وفي الرِّوايات أنّه لما حارب مع العمالقةِ وكادت الشّمس أن تغرُبَ قبل أن يُفتَح له، دعا اللَّهَ سبحانه أن يُؤخِّر غروب الشّمس وكان غدًا الجمعة.

وفي الإنجيل أنّهم صلبوا رجلا يوم الخميس، فبادروا فيه لئلا يأتي عليهم السَّبت، فدلَّ ذلك كلُّه على أن السَّبت في التّوراة هو يوم الجمعة.

ثمّ اعلم أن تكوين العالم بدأ من يوم السّبت المعروف الآن. وتمَّ يومُ الخميس ولم يَخْلُق


(١) قلت: ونظيره ما أخرجه الترمذي في باب التيمم للجنب عن أبي ذر رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير" اهـ وبمثله يُجاب في قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الزمر: ٥٥] وترجمه الشاه عبد القادر رحمه الله تعالى: "اجهى اجهى باتين".
ومن هذا الباب قوله: "إذا جاء أحدُكم الجمعة فليغتسل" لا يريد بذلك أن الإتيان إلى الجمعة في خيرته جاء أو لم يجىء، ولكنه حتم يجب عليه، فلا يغتر من هذه الألفاظ، فإنها تستعمل في الفرائض أيضًا، فظهر الجواب عما ورد في باب الحج: "من أراد منكم العمرة أو الحج فليهلل" أو كما قال، فاستدل منه الشافعية أن الإحرام موقوف على إرادة العمرة والحج لا مطلقا، فمن لم يرِدهما أو أحدَهما له أن يدخلها بدون إحرام، قلنا: يجب لمن أراد دخول مكة أن يحرم بأحدهما، ولا يخالفه لفظ الإرادة كما علمت أنه يستعمل في الفرائض، فالإحرام واجب عليه أراد أو لم يرِد وسيجيء تفصيله في بدء الحج إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>