قوله:{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} ... إلخ. أجمعوا أنَّه لا فرقَ بين التعمُّد والنسيان في وجوب الجزاء، فإنَّه للمَحَل دون الفعل، فيستوي فيه الأمران، والتقييدُ به لمزيد التقبيح.
قوله:({فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}) ... إلخ، والخلاف فيه مشهور. فقال الشيخان: إن المأمور به أداء القيمة، وقوله:({مِنَ النَّعَمِ}) ليس بيانًا للجزاء، بل لما قتل، والمعنى أنَّ من قتل منكم من النَّعم فعليه جزاءٌ يماثله ويساويه في القيمة. وقال محمد، وآخرون: إن الأصلَ هو المِثْل الصُّوْري من الحيوانات، وحينئذٍ ({مِنَ النَّعَمِ}) بيانٌ للجزاء، وعند فقده يُعدل إلى المِثْل المعنوي، وهو القيمة.
وقوله تعالى:({يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}) يؤيدنا، فإنَّ القيمة هي التي تحتاج إلى حكومة ذوي عدل، وأما المِثْل صورة، فليس لهما فيه كثير دخل، ويمكن تقديره بالنظر حِسًا. فإذا كان المِثْل عندنا على المثل المعنوي، فحينئذٍ يَشتري منه هديًا إلى الكعبة إن بلغت قيمتُه، وإلا فيتصدق به. وعند محمد يرسلُ ذلك الحيوان الذي وجب عليه، وما ماثَلَه صورةً.
قوله تعالى:({أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ}) ... إلخ، ولما كان السياق في ذكر الإِحرام ومحظوراتِهِ، تبادر منه أن الحِلَّة فيه لفعل الاصطياد دون المصيد، فلا يكون دليلا للشافعية على حِلِّ جميع حيوانات البحر، كيف والله سبحانه لم يجعل كله طعامًا، بل جعل منه طعامًا، فقال:{وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ}، فأحل الصيد، أي الاصطياد مطلقًا، ثم تَعَرض إلى ما يحل له أكله، فعبَّره عن الطعام، فدل على أن الأولى لم تكن فيها صفة الطعامية.
وبعبارة أخرى: إن الله سبحانه لما ذكر حل الاصطياد أردَفه بذكر ما يحلُ منه أكله، فجعله لنا طعامًا. وبعبارة أخرى: أنه إذا أحلَّ لهم اصطيادَ ما في البحر مطلقًا أدَّاهم ذلك إلى حِلِّ المصيد أيضًا، فأشار إلى دفع هذا التوهم، بأن ليس جميعَه حلالٌ لكم، ولكن الحلال منه ما هو