للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَبِى فَرْوَةَ سَمِعْتُ الشَّعْبِىَّ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِى فَرْوَةَ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ، فَمَنْ تَرَكَ مَا شُبِّهَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكَ، وَمَنِ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنَ الإِثْمِ أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ، وَالْمَعَاصِى حِمَى اللَّهِ، مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكْ أَنْ يُوَاقِعَهُ». طرفه ٥٢ - تحفة ١١٦٢٤ - ٧٠/ ٣

وقد تكلَّمنا عليه في كتاب الإِيمان، ونبَّهناك على أن الحديثَ جليلٌ لاشتماله على ضابطةِ الحلال والحرام من قِبَلِ صاحب الشرع. ولاحَظَّ فيه للآخرين، فإنا لا ندري ماذا أُرِيدَ بكون الحلال والحرام بيِّنًا. فإنا كثيرًا ما نجدهما غير بيِّنين، تجري فيهما الأفكار، وتختلف فيهما الأنظار. وصنَّف فيه الشوكانيُّ رسالةً، وليس لها مُحَصِّل غير حلِّ الألفاظ، وذلك القدر هو المرجو من أمثاله لا غير.

٣ - باب تَفْسِيرِ الْمُشَبَّهَاتِ

وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ أَبِى سِنَانٍ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَهْوَنَ مِنَ الْوَرَعِ، دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ.

ولعَمْرِي أن المصنِّفَ أَبْدَعَ في التراجم، فبوَّب أولا في تفسيره ليتعيَّن مِصْدَاقه في ذهنك، ثم بوَّب بما يُسْتَحَبُّ التجنُّب عنها، ثم بوَّب بالوساوس، لِيَدُلَّ على الفرق بين الشُبُهَات والوساوس. فإن الاحتراز عن الشبهات استبراء للدِّين، والاعتداد بالوساوس إفسادٌ له. ثم إن ما ذكره المصنِّف من تفسيره عن حَسَّان ليس تفسيرًا له، فإن قوله: «دَعْ ما يَرِيبُكَ إلى ما لا يَرِيبُكَ»، لم يُفِدْ له شيئًا، وإنما دَلَّ حسانٌ على صورة العمل فقط، لا أنه شَرَحَ الحديث. وراجع لتحقيقه «عقيدة الإِسلام»، وأَوْفَى منه من حاشيته «تحية الإِسلام». وأخرجه التمذيُّ أيضًا، وفيه: «وبين ذلك أمورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، لا يدري كثيرٌ من الناس أَمِنَ الحلال أم من الحرام». اهـ.

وهذا يَدُلُّ على أن المرادَ من الاشتباه: الاشتباهُ في الأوصاف، والحكم. وفي «الفتح»: إن المُشَبَّهَاتِ هي المباحات. فقد اعتبرها بحسب الحقيقة دون الحكم. فإن حكمَ المباحات معلومٌ. والمعنى أن من أتى سائر المباحات حتى لم يَبْقَ بعدها إلا المحرَّمات، أَوْشَكَ أن يَقَعَ فيها، فلا بُدَّ لاستبراء الدِّين إن يَتْرُكَ حصةً من المباحات أيضًا. بخلاف ما عند الترمذيِّ، فإنه يَدُلُّ على أن المرادَ به الاشتباهُ في الحكم، فافهم. وقد مرَّ الكلامُ على لفظ المُتَشَابِه، والمُشَبَّه، والمُشْتَبِه في كتاب الإِيمان. فإن التَّشَابُهَ يقتضي عدم علم المراد كالمُتَشَابِهَات في القرآن. ومقتضى الثاني: الإِشارةُ إلى القياس الفِقْهِي. ومقتضى الثالث: عدم علم الحكم.

٢٠٥٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>