الغامضة في شاكلة الخَطَابة، فيكون لكلامه ظهرٌ وبطنٌ، ولذا يَشْتَرِكُ العوامُّ والخواصُّ في الاستفادة منه. ولو اشتمل على الخَطَابة فقط، لم يَسْتَفِد منه أصحابُ النظر. وإن اقتصرَ على بيان الحقائق فقط، لم يُدْرِكْه ألوفٌ من الناسِ. فجاء كلامُه جامعًا بين الشأنين، يستوي في الاستفادة منه الخواصُّ والعوامُّ، ولا يتأتَّى هذا الجمعُ إلَّا من النبيِّ. فإنَّ السطحيَّ لا يستطيعُ أن يُمْسِكَ البطونَ، والمدقِّقَ لا يتمكَّن بالاقتصار على الظهور.
ثم إن بابَ الأدعية لا يزال يجري حتى في الجنة أيضًا. أمَّا الأحكامُ، فإِنَّها تنتهي بانتهاء نشأة الدنيا. فكم من فرقٍ بين الفاني والباقي، وأنَّى يلتقي السُهَيْل مع السُّها، والثُّرَيَّا مع الثَّرَى؟!.
حكايةٌ: كان البلعمُ الباعوز من الزُّهَّاد، ولمَّا خالف موسى عليه الصلاة والسلام صار مطرودًا. وقصتُه: أن اللَّهَ سبحانه كان أكرمه بثلاث دعواتٍ مستجاباتٍ، فَغَضِبَ على زوجته مرَّةً، فدعا عليها أن تُمْسَخَ كلبةً، فَمُسِخَت، ودخلت بين الكلاب. فقال له أبناؤه: لِمَ صَنَعْتَ هذا؟ فادعُ اللَّهَ لها أن تصيرَ إنسانًا، فدعا لها، فصارت إنسانًا. ثم غَضِبَ عليها مرَّةً أخرى، فدعا عليها، فَمُسِخَت. فهذا أمرخ دعواته الثلاث، أنفقها في زوجته. وهذا هو الفرق بين المحروم والمرحوم، والسعيد والشقي.