للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (اللَّهُمَّ إنِّي أبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ، مرتين)، وذلك لِيُعْذِرَ من نفسه، ويُنْقِذَهَا من عذاب الله إن هَجَمَ عذابه على فعله هذا، والعياذ بالله من قتل المؤمن. وهذا هو فعلُ الخائفِ المشفق المبتهل، وأمَّا المغترُّ، فإنه يَطْمَئِنُّ، ويتمنَّى على الله. ثم إن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم بَعَثَ إليهم عليًّا، وأعطاهم نصف الدية لكلِّ مَنْ قُتِلَ منهم. وهذا عندي محمولٌ على نحو مصالحةٍ، فإنَّهم وإن لم يُطَالِبُوه صلى الله عليه وسلّم بشيءٍ، لكنه لم يَرْضَ أن يَهْدِرَ دَمَهُمْ.

حكايةٌ (١): نُقِلَ أنه كان فيمن قُتِلُوا رجلٌ تائهٌ، وكان يَنْشِدُ في تلك الليلة أنه مقتولٌ في صَبِيحَتِها، فلمَّا أَصْبَحَ قُتِلَ، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلّم «هلَّا لَاحِمْتُمُوه، ولعلَّ حبَّة لم يَكُنْ في معصيةٍ».

٦١ - باب سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِىِّ وَعَلْقَمَةَ بْنِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِىِّ

وَيُقَالُ: إِنَّهَا سَرِيَّةُ الأَنْصَارِ.

٤٣٤٠ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِى سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِىٍّ - رضى الله عنه - قَالَ بَعَثَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ فَقَالَ أَلَيْسَ أَمَرَكُمُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُطِيعُونِى. قَالُوا بَلَى. قَالَ فَاجْمَعُوا لِى حَطَبًا. فَجَمَعُوا، فَقَالَ أَوْقِدُوا نَارًا. فَأَوْقَدُوهَا، فَقَالَ ادْخُلُوهَا. فَهَمُّوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا، وَيَقُولُونَ فَرَرْنَا إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ النَّارِ. فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَبَلَغَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ «لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الطَّاعَةُ فِى الْمَعْرُوفِ». طرفاه ٧١٤٥، ٧٢٥٧ - تحفة ١٠١٦٨ - ٢٠٤/ ٥

٤٣٤٠ - قوله: (لو دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إلى يَوْمِ القِيَامَةِ) ... إلخ، لكون فعلهم قطعيّ البطلان. وقد عَلِمْتَ أن المحلَّ إذا كان مما يَصْلُحُ للاجتهاد، لا يُعَنِّفُ عليه


(١) أَخْرَجَ الحافظُ في رواية النَّسائيِّ، والبيهقيِّ بإِسنادٍ صحيحٍ من حديث ابن عبَّاس نحو هذه القصة، وقال فيها: "فقال: إنِّي لَسْتُ منهم، إنّي عَشِقْتُ امرأةٍ منهم، فَدَعُوني أنظر إليها نظرةً". وقال فيه: "فَيَضْرِبُوا عُنُقَهُ، فجاءت المرأةُ، فوقعت عليه فَشَهَقَتْ شهقةً أو شهقتين، ثم ماتت. فذكروا ذلك للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلم فقال: أما كان فيكم رجلٌ رحيمٌ". اهـ "فتح الباري".
قلتُ: وفي العينيِّ، في كتاب الجهاد، عن ابن عبَّاس: "من عَشِقَ، وعَفَّ، وكَتَمَ، ومَاتَ، مات شهيدًا". اهـ.
وحينئذٍ لا إشكالَ في الترحُّم له. ولكنه لا بُدَّ من القيد الذي ذَكَرَهُ الشيخُ رحمه الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>