للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلى بيته لامَتْهُ أمهُ وقالت: ما رأيت ولدًا أعق منك، ما أعلمك أني ما فعلت في الجاهلية، أفكنت مفضحي بين الناس، قال: والله لو ألحقني النبي صلى الله عليه وسلّم بغير أبي لالتحقت به.

قوله: (سلوني) وكان هذا غضبًا منه وسَخْطَةً، ولم يفهمه أحدٌ غير عمر رضي الله تعالى عنه فقال ما قال. وإنما غضبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم لكونه شارعًا بُعثَ لتعليم الشرائع، فجعلَ بعضُهُم يسألونه عن المغيبات، وكذلك بعض المنافقين سألوه سخرية فقط. وحاصلُ مقالة عمر رضي الله تعالى عنه أنَّا نكتفي للنجاةِ بالإيمان بالله ورسوله ... إلخ، ولا نحتاج إلى أسئلة سواه.

قلت: وكان مناسبًا أن يقعَ في حياتِهِ مثْلُ تلك الواقعةِ مرةً ليُعلَم أنه أيضًا تحت القدرةِ الإلهية أن يخبرَ رسوله بكل ما استخبَرُوه، ويلقمُ في أفواهِ المتعنتينَ حجرًا. ثم اعلم أن في طرقه: «والقرآن إمامًا»، وتتبعتُ إمامتَه في التنزيل أيضًا فلم أجد غير قوله تعالى: {كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً} وهذا كتاب. ومر عليه الطيبي في «حاشية الكشاف» وفهم لطفَه ولم يذقه أحدٌ غيرَه. ومعناه عندي أن كتابَ موسى مع جلالة شأنه يكتنه إمامته وكونه رحمة. وهذا أيضًا كتابٌ مثله في كونه إمامًا ورحمة، ولكنه بلغَ في كونه إمامًا ورحمة مبلغًا لا تُكتنه نهايته. ثم إنه إذا كان إمامًا فلا يكون مأمومًا ومقتديًا، فلا يقرأه المقتدي.

وعند أبي داود أن رجلًا قرأ بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)} خَلْفه صلى الله عليه وسلّم. والظاهر أنه لم يقرأ الفاتحة فلما فرغَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم قال: «ما لي أُنازعُ القرآن» بصيغة الواحد المتكلم المجهول، وهذا في واقعة الظهر، فلو كانوا كلُّهم قارئين لَمَا كان لتخصيص المخالجةِ بنفسه معنىً، فإن المخالجةَ حينئذٍ تكون مع جميعِ القارئين لا مع النبي صلى الله عليه وسلّم فقط، فدل على أنه كان هو القارىء فقط، ولم يكن هناك قارىء من المقتديين غير هذا الرجل. ولعله أيضًا لم يقرأ بالفاتحة بل قرأ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)} فكان أمرُ القراءة عنده بالفاتحة وغيرها سواء. وكيفما كان جاءت قراءتُهُ تحت الإنكار لِعِلةِ المنازعة والمخالجة، فلا ينبغي أن يقرأ خلف القارىء، فإن الصراطَ المستقيمَ الاستماعُ والإنصات عند القراءة: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤)} [الأعراف: ٢٠٤] وهو وإن كان في الجهرية، لكنَّ الحديثَ صريحٌ في السرية، والمنازعةُ تحصل فيهما. وسيأتي التفصيل في موضعه.

٣٠ - باب مَنْ بَرَكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ الإِمَامِ أَوِ الْمُحَدِّثِ

٩٣ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ فَقَالَ مَنْ أَبِى فَقَالَ «أَبُوكَ حُذَافَةُ». ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ «سَلُونِى». فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - نَبِيًّا، فَسَكَتَ. أطرافه ٥٤٠، ٧٤٩، ٤٦٢١، ٦٣٦٢، ٦٤٦٨، ٦٤٨٦، ٧٠٨٩، ٧٠٩٠، ٧٠٩١، ٧٢٩٤، ٧٢٩٥ - تحفة ١٤٩٣

وإنما ترجمَ المصنفُ بلفظ الإمام لأن في طرق هذا الحديث: «وبالقرآن إمامًا»، ولمّا كان هذا مُوهمًا للتخصيصِ احترس وأضاف قوله: أو المحدث ليندفعَ التخصيصُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>