وبقيا على ما كان يجري بينهما، حتى مضى لحاجته. وابنُ العميد هذا من وُزراء الخلافةِ العَبّاسية، أديبٌ كبير، كان عَضُد الدولة دعاه إلى الوزارةِ، فأجابه إني أحتاج إلى أَربع مئة مِن الإِبل تَحْمِلُ كُتبي، وكان في زمنه أديبٌ آخرَ، يُسمّى أبا إسحاق، وكان صابئيًا، وكان وزيرًا للسَّلْطنة السُّلْجُوقية، ثم أَسْلم بعده، وكان بُعَد أَفْضَل منه، وكان ابنُ العميد، يقول: لم تبق في نفسي حاجةٌ، إلَّا أن يقول لي أبو إسحاق: يا أستاذ، والفصل في حقهما، كما قيل: إن الصابئي يَكْتب كما يُراد، وابنَ العميد يَكْتب كما يُريد. قلتُ: وبينهما بونٌ بعيد.
ثُم إنَّ البخاري خالف الظاهريَّ، ولم يُرد مِن العودِ ما أراده الظاهريُّ مع كونه رفيقَه، ومنه تَعلّم قوله:«لفظي بالقرآنِ مخلوق»، وكان الظاهري سافر إلى أحمدَ، فلما بلغه أَبَى أن يلاقِيه، وقال: لا أُحِبّ الملاقاةِ بِمَنْ قال بِخَلْق القرآن. قلتُ: وكان البخاري أيضًا سافر إليه، إلا أنه تُوفِّي قبل أن يَبْلُغه، ولو بلغه لردّه خائبًا، كما ردّ الظاهري، لاشتراكهما في المقولة (١).
٢٤ - باب الإِشَارَةِ فِى الطَّلَاقِ وَالأُمُورِ
وَقالَ ابْنُ عُمَرَ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «لَا يُعَذِّبُ اللهُ بِدَمْعِ العَينِ، وَلكِنْ يُعَذِّبُ بِهذا». فَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ. وَقالَ كَعْبُبْنُ مالِكٍ: أَشَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم إِلَيَّ أَي: «خُذِ النِّصْفَ». وَقالَتْ أَسْمَاءُ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم في الكُسُوفِ، فَقُلتُ لِعَائِشَةَ: ما شَأْنُ النَّاسِ؟ - وَهيَ تُصَلِّي - فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى الشَّمْسِ، فَقُلتُ: آيَةٌ؟ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا: أَنْ نَعَمْ. وَقالَ أَنَسٌ: أَوْمَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ. وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوْمَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم بِيَدِهِ: «لَا حَرَجَ». وَقالَ أَبُو قَتَادَةَ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم في الصَّيدِ لِلمُحْرِمِ: «آحَدٌ مِنْكُمْ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيهَا، أَوْ أَشَارَ إِلَيهَا؟» قالُوا: لَا، قالَ:«فَكُلُوا».
٥٢٩٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَعِيرِهِ، وَكَانَ كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ، وَكَبَّرَ. وَقَالَتْ زَيْنَبُ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «فُتِحَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ». وَعَقَدَ تِسْعِينَ. أطرافه ١٦٠٧، ١٦١٢، ١٦١٣، ١٦٣٢ - تحفة ٦٠٥٠
(١) قلتُ: وراجع "بداية المجتهد"، فإِنه بسط في معنى العود مع بيان مذاهبِ الأئمة في ذلك. وقال المارديني: والمشهور عن مالك أنه العَزْم على الوطء، وهو مذهب أبي حنيفة، وأحمد. وذكر النووي أنَّ أبا حاتم القَزْويني حكاه قَوْلًا عن القديم للشافعي، وقال القاضي إسماعيل: إذا قَصَد الوَطء فقد قصد إبطالَ ما كان منه من التحريم، فقد عاد في ذلك القول، كما يقال: عاد في هبته، أي رجع عنها. وما ذهب إليه الشافعيُّ من تفسيره بالإِمساك استضعفه إسماعيل، وغيره، وردُّوه بأشياء. "الجَوْهر النّقي"، وراجع بسط تلك الأشياء منه.