واعلم أني متردد في معنى القيام: أنه مأخوذٌ من القيام في الصلاة، أو أنه مقابلٌ للنوم فقط. وعلى الأول معنى قوله:{من يقم} أي من يصلي ليلة القدر فله كذا، وإِن كان مأخوذًا من الثاني فمعناه: من أحيا ليلة القدر فقط، سواء كان بالصلاة أو الأذكار، أو لم ينم، فله كذا كلفظ الوقوف في عرفات، فإنه لا يشترط فيها القيام وإن كان مستحبًا. وكذا أتردد في قوله تعالى:{قُمِ الَّيْلَ إِلَاّ قَلِيلًا}[المزمل: ٢] إن المأمور به هو القيام للصلاة، أو إحياء الليل، واختار المفسرون أنه القيام إلى الصلاة، فإن كان الأمرُ كما قال المفسرون، فالمقصود من الأمرِ بالقيام هو الصلاة، ويكون المقصود منه القراءة كما يستفاد من قوله:{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}[المزمل: ٤] وإن كان المراد به مطلق القيام، فالمقصودُ هو القرآن، سواء كان في ضمن الصلاة أو غيرها، ومن ههنا أترددُ في النَّسخ أيضًا، أنه في القيام فقط، والقرآن باق إلى الآن، أو في تطويلِهِ مع بقاءِ نفس القيام، والمقصود هو قراءة القرآن في ضمن الصلاة.
فائدةٌ مهِمَّةٌ في معنى الاحْتِسَاب
قوله:(إيمانًا واحتسابًا) واعلم أن الاحتساب كثيرًا ما يُستعمل في الأحاديث. فاعلم أن اشتراطَ الإيمانِ ظاهرٌ، فإنه لا عبرة بالعبادات بدون الإيمان. أما الاحتساب فهو مرتبة علم العلم واستحضار النية، وعدم الذهولِ عنها واستشعار القلب بها. فإنا وجدناه بعد التتبع مذكورًا في مواضع، أما في مواضع الذهول، إذا يذهل عنها ذاهل، فيوجه الشارع هناك إلى الاحتساب كما في المصائب السماوية، فإنه لا أحدَ يرجو فيها الثواب، لعدم دخله واختياره فيها، فهذا محل التنبيه ليحصل له الأجر، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلّم لمن مات ولدها:«فلتصبر ولتحتسب» فإن الموتَ أمرٌ سماوي مضى عليها كما يمضي على سائر الناس، وربما يمكن أن أَن يتوجَّه الذهنُ فيه إلى أجر، فكان موضع ذُهول.
فنبَّه على أنه وإن كان أمرًا سماويًا، إلا أنه توفرَّ لها الأجرُ إن تصبر وتحتسب، أو في