للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: وما تحكم به شريعة الإنصاف أن الأمر بين تَضْيِيْقِ الحنفية وتوسيعِ البخاري فينبغي أن يُعْتَبَر بالجهلِ أكثر مما اعْتَبَرَ به الحنفية رحمهم الله تعالى، وأن لا يُوَسَّع فيه كما وَسَّعَ البخاري رحمه الله تعالى. ثم إن الحنفية عدُّوه عذرًا عند ذكر عوارض الأهلية في أصول الفقه، وأَخْمَلُوا ذكرَه في كتب الفقه، والأحاديث مشحونة بكونه عذرًا. فكان المناسب أن يستعملوه في فقههم ويَعْتَبِرونه عُذْرًا في مسائلهم أيضًا، لا سيما في عهده صلى الله عليه وسلّم فإنه كان زمان انعقاد الشريعة، والقومُ أُمِيُّون إذ ذاك وكم من أشياء تُتَحَمَّل في الابتداء ولا تُتَحَمَّل فيما بعد، وليس هذا تغييرُ مسألةٍ مِنِّي بل هو تغييرُ تَعْبِيرٍ وعنوانٍ، فإنه لو عَمَّمْتَ اعتبارَ الجهل في ظَرْفٍ فقد قَصَرْتَه على عهده صلى الله عليه وسلّم من طرفٍ آخر، فصارَ مآلُهُ أنه غير مُعْتَبَر بعدَه صلى الله عليه وسلّم إلا بقدرِ ما اعتبره فقهاؤُنا.

وهذه الواقعة واقعة عهده صلى الله عليه وسلّم فلو اعتبرناه عذرًا ونفينا عنه الجزاء والإثم لا يكون خلافًا للمذهب فإن مسألة إيجاب الجزاء على من خالف الترتيب لمن كان بعد عهدِهِ صلى الله عليه وسلّم ولا تجري على الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وإنما كان الصحابة في عهد النبوة فالمسائل المبسوطةُ في فقهنا لمن أراد اقتداء الإمام الهُمَام لا للصحابة الكرام. نعم فيه نفع وهو أنه لا نحتاج في الحديث إلى تأويل، ونخرج عنه كَفَافًا.

ونِعْمَ ما قال الغزالي رحمه الله تعالى: أن الخبر الواحد كان نَاسِخًا للقاطعِ في زمنه صلى الله عليه وسلّم لأنه كان عندهم ذريعة التحقيق، ولذا تَحوَّلوا إلى بيت الله يخبر الواحد فإنّه كان عندهم خبره من قبل وكان الزمان زمان الرسالة، فأمكن تحقيقه أيضًا. أما فيما بعده فلا سبيل إلى تحقيق الخبر وتَثْبِيْتِهِ فيبقى ظَنِّيًا فلا يكون ناسخًا، فكما فَصَّل الغزالي رحمه الله تعالى في نسخ القاطع بِخَبَرِ الواحدِ وفَرَّقَ بين عهده صلى الله عليه وسلّم وبعدَ عَهدِهِ، كذلك فَصَّلْتُ في عبرةِ الجهلِ. وهذا تَصَرُّفٌ عقليٌّ اعتبرناه لنستريح عن الجواب والله أعلم بالصواب.

٢٥ - باب مَنْ أَجَابَ الْفُتْيَا بِإِشَارَةِ الْيَدِ وَالرَّأْسِ

٨٤ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ فِى حَجَّتِهِ فَقَالَ ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِىَ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ قَالَ وَلَا حَرَجَ. قَالَ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ. فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ وَلَا حَرَجَ. أطرافه ١٧٢١، ١٧٢٢، ١٧٢٣، ١٧٣٤، ١٧٣٥، ٦٦٦٦ - تحفة ٥٩٩٩

٨٥ - حَدَّثَنَا الْمَكِّىُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ عَنْ سَالِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «يُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ وَالْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْهَرْجُ فَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ، فَحَرَّفَهَا، كَأَنَّهُ يُرِيدُ الْقَتْلَ. أطرافه ١٠٣٦، ١٤١٢، ٣٦٠٨، ٣٦٠٩، ٤٦٣٥، ٤٦٣٦، ٦٠٣٧، ٦٥٠٦، ٦٩٣٥، ٧٠٦١، ٧١١٥، ٧١٢١ - تحفة ١٢٩١٢

يعني به أن الإشارة هل هي معتبرةٌ أم لا؟ فالمصنِّف رحمه الله تعالى جعل الإشارة والكلام في باب الطلاق سواء، وعَرَضَ إلينا بعدم اعتبارِها.

<<  <  ج: ص:  >  >>