الآن مُغَلَّظةً بالثلاث، بخلافها قبله، فإن تَغْلِيظَها كان بالاثنين. واعْتَرَضَ عليه ابن حَزْم أنه كلامٌ خَالٍ عن التحصيل، لأنه إذا صارت بطلاقه مغلَّظةً، فلا فرقَ في أنها بالاثنين، أو الثلاث.
وعلَّله الطَّحَاويُّ بوجهٍ آخرَ، فقال: فنظرنا في ذلك فرأينا الأَمَةَ في حال رِقِّها، لمولاها أن يَعْقِدَ النكاحَ عليها للحرِّ، والعبد. ورأيناها بعد ما تُعْتَقُ ليس له أن يَسْتَأْنِفَ عليها عقدَ النكاح لحرًّ، ولا لعبدٍ. فاستوى حكمُ ما إلى المَوْلَى في العبيد والأحرار، وما ليس إليه في العبيد، والأحرار في ذلك. فلمَّا كان ذلك كذلك، ورأيناها إذا أُعْتِقَتْ بعد عقده مولاها نكاح العبد عليها، يكون لها الخيار في حل النكاح عليها. كان كذلك في الحر، إذا اعتقت يكونُ لها حلُّ نكاحه عنها قِيَاسًا، ونظرًا على ما بيَّنا من ذلك. اهـ.
وحاصلهُ: أن للمَوْلَى ولايتَه على أَمَتِهِ قبل عِتْقِهَا في نكاحها، حرًّا، أو عبدًا. فإذا أَعْتَقَهَا، لا تبقى له تلك الولاية، فلا يَمْلِكُ أن يَعْقِدَ عليها بُحرًّ أو عبدٍ إلا برضاها. فظهر أن لا فرقَ بين العبد والحرِّ في باب الإِنكاح في الحالين. فإِذا جاز له الإِنكاح، جاز من حرًّ وعبدٍ. وإذا لم يَجُزْ، لم يجز من حرًّ ولا عبدٍ. واتَّفَقُوا أن المَوْلَى إذا زوَّجها من عبدٍ حال رقها أن لها الخيار بعد عتقها. فالقياس يقتضي أن يكون الحال كذلك فيما إذا زوجها من حرًّ، لأنا لم نعلم فرقًا في جواز النكاح عليها من العبد والحرِّ، وعدمه بين رِقِّها وعِتْقِها. فإذا خُيِّرَتْ فيما إذا زوَّجها مولاها من عبدٍ، ينبغي أن تُخَيَّرَ فيما إذا زُوِّجَتْ من حرًّ، من غير فرقٍ.