للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لم يَذْكُرْه أربابُ اللغة. وكان مهمًا، فإن الأمرَ قد يكون لإِبقاء الفِعْلِ أيضًا لا لإِنشائه، كما في قصة قراءة أسَيْد بن حُضَيْر - سورة الكهف: اقرأ يا ابن حُضَيْر، أي استمرَّ على قراءتها. وترجمته (رهتاره)، وأشار إليه ابن القيِّم في «بدائع الفوائد».

٢١٥٦ - قوله: (حُرًّا كان زَوْجُها أَوْ عَبْدًا)، والرواياتُ فيه مُضْطَرِبةٌ، فإن ثَبَتَ أنه كان حرًّا حين عُتِقَتْ بَرِيرَة، يكون حُجَّةً لنا في خِيَار العِتْقِ. وإن لم يَثْبُت، فلا يَضُرُّنا أيضًا، كما أنه لا تبقى حُجَّةٌ. وعلَّله صاحب «الهداية»: أن العِتْقَ مُسْتَلْزِمٌ لزيادة ثبوت المِلْكِ عليها، لأنها تَصِيرُ


= أن تعتقها، يجوِّزُ ابتياع المماليك بشرط الإعتاق، بخلاف باقي الشرائط. ولا دليلَ له في ذلك، لأن ذلك كان مشورةً بذلك عليها أن تفعله ابتداءً، وليس فيه اشتراطُ أهلها ذلك عليها في بيعهم إياها منها، وفي بعض الآثار: أن عائشةَ هي التي سألت أن تَشْتَرِيها على أن يكونَ الولاء لها، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشةَ بعد إباء موالي بَرِيرَة ذلك: "ابتاعي فأَعْتِقي، فإنما الوَلَاءُ لمن أَعْتَقَ". فكان فيه الأمر بابتياعها وعِتْقِها ابتداءً، وليس فيه اشتراطٌ من أهلها أن تَعْتِقَها عائشةُ، إنما فيه اشتراطُهم وَلَاءها عليه في إعتاق عائشة بعد ابتياعها إيَّاها. ومعقولٌ أنها إذا كانت تَعْتِقَهَا عن نفسها، لم يكن باشتراطٍ من بائع بَرِيرَة عليها.
وفي الحديث دَفَعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موالي بَرِيرَة عن ذلك، حيث أَنْكَرَ عليهم، وأَعْلَمَهُمْ بوعيده إياهم، أنه خارجٌ من شريعته، بقوله: "كلُّ شرطٍ ليس في كتاب الله تعالى، فهو باطلٌ، وإن كان مائة شرط". ولو كان ما صَدَرَ منهم من الشرط جائزًا لَمَا أنكره عليهم، ولا تَوَاعَدَهم عليه، ولا ذَمَّهم. وفيما ذكرنا دليلٌ على أن الذي كان منهم اشتراطُ وَلَائها في إعتاق عائشة، ولا اشتراطُ أن تَعتِقَهَا عن نفسها عِتَاقًا واجبًا عليها، شرطهم في بيعهم إياها منها. وقال ابن عمر: لا يَحِلُّ فرجٌ إلَّا فرجٌ إن شاءَ صاحبُه وهبه، وإن شاء أَمْسَكَهُ، لا شرطَ عليه فيه. والمبيعةُ على أن يَعْتِقَهَا مشتريها، ليس كذلك، لأنه لَزِمَه إعتاقها، ولم يكن له إمساكُها. وفي ذلك نفى ما ظنَّه المتأوِّلون من تجويز البيع بالشرط. وقول عمر لابن مسعود في الجارية التي ابتاعها من امرأته، واشترطَتْ عليه خدمتها: "لا تَقْرَبْهَا، ولا حد فيها مثنوية"، يؤكِّد ما قلنا أيضًا، اهـ.
قال الحافظُ فضل الله التُّورِبِشْتِي في "شرح المصابيح": استدل بهذا الحديث من زَعَمَ أن البيعَ إذا اقترن بشرطٍ، فإنه جائزٌ، والشرطَ باطلٌ. والحديثُ على ما في كتاب "المصابيح"، لا حُجَّةَ فيه، لأن اشتراطَ الوَلاءَ في هذا الحديث لم يَقَعْ في نفس العقد، وإنما جاءت بَرِيرَة تستعين عائشة رضي الله تعالى عنها في كتابتها، فقالت: إن أحبَّ أهلُكِ أن أَعُدَّها لهم، ويكون الوَلَاءُ لي، فقالت لهم -ظنًّا منها: إن الوَلَاءَ يَنتَقِلُ إليها باشتراطٍ من قِبَلِهِمْ- فلما أخْبِرُوا بما تُرِيدُ عائشةُ، أَبَوْا ذلك.
وفي بعض طُرُق حديث بَرِيرَة: أن أهلَها، قالوا: "إن شاءت أن تَحْتَسِبَ عليكِ فَلتَفْعَل، ويكون الولاءُ لنا". وقولهم هذا ليس من الشرط في شيءٍ، لأنها إذا احْتَسَبَتْ بما تعينها من مال الكِتَابَة كان الوَلَاءُ لأهلها، لأن وَلَاءَ المُكَاتَبِ لمواليه، فأَبَتْ عائشةُ إلَّا الشَّري، فرضوا بالبيع، على أن تَجْعَلَ الوَلَاءَ لهم، ظنًّا منهم أن ذلك يَثْبُتُ بالاشتراط. فلمَّا أخبرت عائشةُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بحديثهم، قال: "لا يَمْنَعُكِ ذلك، اشتَرِيها فأَعْتِقِيها، فإنما الوَلَاء لمن أعتق". فكانت مراجعتهم في هذا القول قبل الشروع في المُبَايَعة. ولم يُذكَر في هذا الحديث: أن البيعَ كان مشروطًا بذلك الشرط، بل ذُكِرَ في الحديث ما كانوا يُرَاجِعُون به عائشةَ رضي الله عنها، دون المسَاوَمة. فأمَّا عند وجوب البيع، فلا. هذا هو الذي يَدُلُّ عليه هذا الحديث. نعم قد روى البخاريُّ من غير وجهٍ في كتابه: "أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشةَ: ابتاعيها فأعتقيها، واشترطي لهم الوَلَاءَ، فإن الولاءَ لمن أَعْتَقَ ... إلخ. ثم أَخَذَ الحافظُ في الجواب عنه، وهو يؤولُ إلى ما ذُكِرَ في "المعتصر"، بل ما في "المعتصر" أبسط منه وأوضح، وأحكم، فلذا اقتصرتُ عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>