والجملة المذكورة:«الصوم لي ... » إلخ، وقعت في كلِّها محلَ الاستثناء، فينبغي أن يُراعَى حال ما قبله أيضًا. والذي ظَهَرَ لي أن هذه القطعات كلَّها صحيحةٌ، وليست من باب الرواية بالمعنى. بل من باب حفظ كل ما لم يَحْفَظْهُ الآخر. والترتيبُ الصحيحُ ما في السياق الآخر. وقد نبَّهناك مفادَ جملة السياق، وما فيها من التَّغايُر، فيما مرَّ.
أما وجهُ اختصاص الصِّيام بكونه له دون سائر العبادات، فهو ما عند البخاريِّ في نفس الحديث، وهو:«أنه يَدَعُ طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجلي»، وهذا مما لا يتحقَّق بالذات إلا في الصوم. أما الصلاةُ، فإن مَنَعَتْ عنها أيضًا، لكنها لا تُوجِبُ فواتها، فإن لك أن تَأكُلَ وتَشْرَبَ شرابَك، وتُخَالِطَ حَلِيلَتَكَ بعدها. بخلاف الصِّيام، فإنه يَسْتَلْزِمُ الفوات نهارًا، فهذا معنىً في الصوم ليس في غيره.
واعلم أن في الجنَّة أبوابًا باعتبار الأعمال، فمن يَعْمَلْ في الدنيا عملا يَدْخُل الجنةَ من باب ذلك العمل. ومراد الحديث بيان قدر العمل الذي يَصْلُحُ به للدُّخُول في الجنة، فعيَّنه الشارعُ: أن العبدَ إذا أتى من جنس ذلك الفعل مرتين صَلَحَ للدُّخُول فيها، فكان ذلك ميزانًا للدُّخول. ومن