للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تفسير آية الوحي إجمالًا

واعلم أولًا أن الوحي على ثلاثة أنحاء: الأول: أن يُسخَّر باطن المُوحى إليه إلى عالم القدس، ثم يُلقى في باطنه، فلا توسُّط للملَك في هذا النوع.

الثاني: ما يكون فيه دخل لحواس المُوحى إليه، فَسمِعَ فيه الصوت، وهو صوت الباري تعالى عند البخاري، بحيث لا يُشبه أصوات المخلوقين، ليس فيه مخارج ولا تقطيع. وقال الشيخ المجدِّد السَّرهندي رحمه الله تعالى: وليس بجزء ولا كل وليس بزماني ولا مكاني وسيجيء الكلام فيه.

والثالث: أن يجيء المَلَكَ وهو على نحوين:

الأول: أن يُسخر الملك باطن النبي.

والثاني: أن يتمثل بنفسه في صورة البشر، كقوله تعالى: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: ١٧].

إذا علمت هذا فاسمع منا تفسير الآية: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ} أي نبي ورسول، فالمراد منه هو النبي أو الرسول وإن كان اللفظ عامًا، وإنما لم يقل: لنبي أو رسول صراحة، حذرًا عن شبهة المصادرة على المطلوب. فإنهم لما قالوا: {لولا يُكلمنا الله .. } [البقرة: ١١٨]، أجابهم بأنه: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ اللَّهُ} وحينئذٍ لا يناسب وصفه بالنبوة أو الرسالة، لأنه أول النزاع، وهو اعتراضهم أن الله لم لا يكلم واحدًا منا ويكلم هؤلاء فأجاب بنحو تعميم في اللفظ مماشاة معهم كما قال الرسل: {إِن نَّحْنُ إِلَاّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} [إبراهيم: ١١] {أَن يُكَلّمَهُ اللَّهُ إِلَاّ وَحْيًا} والمراد منه عندي: الإعلام بخفية، وهو النوع الأول، ويدخل فيه الإلهام والمنام. ولا يقصر على الإلهام والمنام فقط كما قالوا: {أَوْ مِن وَرَآء حِجَابٍ} إشارة إلى النوع الثاني: وهو ما تيسر له صلى الله عليه وسلّم ليلة المعراج ولموسى عليه الصَّلاة والسَّلام على الطور.

الكلام في أنه صلى الله عليه وسلّم هل جمع بين الرؤية والكلام ليلة المعراج؟

بقي الكلام في أن النبي صلى الله عليه وسلّم هل جُمع له بين الكلام والرؤية ليلة المعراج أو كانت الرؤية بدون الكلام والكلام من وراء حجاب؟ فالله أعلم به. نعم، التفسير المذكور يُبنى على الفصل بينهما، فإن قوله: {مِن وَرَآء حِجَابٍ} حينئذٍ يدل على أنه لم تكن وقت الكلام رؤية، بل حصل له الكلام بدون الرؤية. وإن قلنا بالجمع له بين الرؤية والكلام أي كانا معًا، فالجواب على حديث مسلم أن الرؤية أيضًا كانت في الحجاب: «عن أبي موسى: أن حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه».

وفي «القاموس»: سبحات وجه الله: أنواره. فعُلم منه أن الحجاب لا يُكشف، ولو كشفه لأحرقت سبحات وجهه. فالرؤية في الحجاب، والحجاب هو النور.

<<  <  ج: ص:  >  >>