للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقدَ مرَّ هذا البابِ في الأنْجَاسِ وذِكْرُهُ ههنا من حيث كونهُ مُصلَّى ومسجدًا، وفيه تصريح بأنَّ الصَّلاةَ فِي المَرَابِضِ كانت قَبْلَ أنْ يُبنى المسجدِ (١).

٤٣٠ - قوله: (حدثنا صدقة) وهذا راوي فيه حِدةٌّ وشَرَهٌ، حيث جَعَلَ رفع اليدين عَلَمًا لأهل السُّنة والجماعة.

واعلم أنَّ المصنِّف رحمه الله تعالى أَشَار إلى الأحاديث الواردة في التفرِقَة بين الإِبلِ والغَنَم وليست على شرطِهِ، لكن لها طُرُقٌ قوية، وفي معظمها التعبير بِمَعَاطِن الإبل، وفي بعضها بمبَارِك الإبل وعند الطبراني مناخ الإبل، وعند أحمدَ مَرَابِض الإبل، فَعَبَّر المصنِّف رحمه الله تعالى بالمواضع لكونِهَا أَشْمَل والمعاطِن أخص، لأنَّ المعَاطِن مواضعُ إقامتها عند الماء خاصة، كذا قال الحافظُ رحمه الله تعالى وفيه وجوه أُخَر أيضًا.

قلتُ: وعندي أنَّه تَرَكَ لفظَ المَعَاطِن لأنَّه ورد النهي عن الصَّلاةِ فيها في غيرِ واحدٍ مِنَ الأحاديث، ويُعْلم مِنْ حديثِ الباب الجواز فيها، فَأَرَادَ أَنْ لا يَرِدَ الإيجابَ على عَيْنِ ما ورد عنه النهي، فَغَيَّرَ اللفظَ وعَبَّرَ بالمواضع، والوجه فيه أَنَّ المَعَاطن مَوَاضِع الألْوَاثِ والأَنْجَاس، ولأنَّها لا يُؤْمَنُ فيها عن إِيذائِهَا بخلافِهَا ههنا، فإنَّه موضِع طمأنينة ولا يخاف منها أيضًا فلم تشمله أحاديث النَّهي.

٥١ - باب مَنْ صَلَّى وَقُدَّامَهُ تَنُّورٌ أَوْ نَارٌ أَوْ شَىْءٌ مِمَّا يُعْبَدُ، فَأَرَادَ بِهِ اللَّهَ

وَقَالَ الزُّهْرِىُّ أَخْبَرَنِى أَنَسٌ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «عُرِضَتْ عَلَىَّ النَّارُ وَأَنَا أُصَلِّى». تحفة ١٤٩٣

٤٣١ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ «أُرِيتُ النَّارَ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ». أطرافه ٢٩، ٧٤٨، ١٠٥٢، ٣٢٠٢، ٥١٩٧ - تحفة ٥٩٧٧ - ١١٨/ ١


(١) وقد مَرَّ فِيمَا سَلَفَ أَن الصَّلَاةَ في المَرَابِض لم تَكُنْ مطلوبًا، ولكن لَمَّا جُعِلَتْ له الأرضُ مسجدًا خاصةً دون سائر الأمم أرَاد أنْ لا يُخَصِّصَهَا بمكان دون مكان، فَمْن سأل أَنْ يُصلي أجاز له بها، وإنَّما نَهَى عن الصلاةِ بالمعاطِن - تحرزًا عن الإِيذاء لا غَيْرَ، فَدَلَّ أَنَّ تلك الإباحة كانت لتمشيته تلك الخصيصة لا لأَن أذبالَ مأكولِ اللحم طاهرة فانْظُر سياق الحديثِ عن "المُشْكَاةِ" من "باب فضائلِ سيدِ المرسلين - صلى الله عليه وسلم -" عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مسجدًا وطَهُورًا فأيُّمَا رجلٍ مِنْ أمتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاة فليصلِّ" إلخ. فدلَّ على إباحة الصلاة في الأرض كلِّهَا التي منها المَرَابِض لإجراء هذه الحقيقة لا لِمَا فهموا، فإنَّ الجملة الثانية كالتفريعِ على الأولَى، وكأَنَّها جزء مِنْ جزئياتِهِ، وحينئذٍ ظَهَر أَنَّ الصَّلاةَ في المرابض كانت دليلًا على جواز الصلاةِ في المواضع كلِّها على خلافِ سائر الأمم، فجعلوها دليلًا على طهارةِ الأزْبَالِ على خلاف الحنفية والشافعية، والحديث إذا ينقل من باب إلى باب يورث خلطًا مثله، وقد ظهر لي الآن أن هذا كان مراد الشيخ رحمه الله تعالى والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>