للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبعبارة أخرى: أن الشافعية ذهبوا إلى التجريد ونظروا إلى الحكيم في نفسه بدونِ ملاحظةِ حال الطريق، والحنفية لاحظوا الحكم وطريقُه، فلم يمكن لهم أن يحكموا على المجموع إلا بالظنية، فإِن النتيجةَ تتبع الأخسَّ الأرذل. وبعبارة أخرى: أن الشافعية جعلوا القرآنَ كالمتن والحديثَ كالشرع، فأخذوا المراد من المجموع، ونحن أخذنا القرآن أولًا ثم أَوجبنا العمل بالحديث ثانيًا، فوضعنا هذا في مرتبتة وبعبارة أخرى أن الحنفيةَ يتخذون السبيل هو القرآن، إلا أنه لما ورد الحديثُ فيما سكت عنه القرآن يُخرِّجون له صورة العمل ويعملون به أيضًا، فكأنهم جعلوا حالَ القرآن مع الحديث كحالِ ظاهر الرواية مع النَّوادر.

ومما يتعلقُ بموضوعنا هذا مسألةُ النَّسخ والتَّخصيص، والشيءُ بالشيءِ يُذكر. فاعلم أن المنسوخَ بعد نزول الناسخ يبقى قطعيًا عندنا، بخلاف التخصيص فإِنه يَجعلُ العام ظنيًا. ووجه الفرقِ أن المخصَّصَ يُصاحبُ العام زمانًا، فكأنه لم ينعقد حجةً بعدُ حتى لحقه المخصَّصَ فأخرج عنه أفرادًا، فيخطرُ بالبال خروج الأفراد الأُخر أيضًا لعلة مشتركة هناك. بخلاف الناسخ فإِنه يتراخى عن المنسوخ زمانًا، فينعقدُ حجةً، فإِذا نزل الناسخ وكان المنسوخُ محكمًا إذ ذاك وحجة، لم يؤثر فيه. وعليه يتفرع منعُ تعليل الناسخ دون المخصَّص، لأن تعليلَ الناسُ يستلزمُ أن يجوزَ إخراج أفرادٍ أُخرَ أيضًا، مع أن النصَّ لم يخرج إلا أفرادًا معلومة، فيلزم المعارضة بالنَّص بخلاف المخصص.

٢ - باب لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ

قد يُتخايل أن نفي القَبولِ لا يستلزمُ نفي الصحة. فقال قائل: إن القبولُ يطلق على معنيين: الأول: ما هو المعروف. والثاني: ما يرادف الصحة. قلت: بل هو ضِدُّ الرد، فمنعناه أن الصلاةَ بدون الطهور مردودة ولا حاجة إلى التقسيم، لأنه انعقد الإِجماعُ على أن الطهارة شرطٌ لصحة الصلاة. نعم، في صلاة الجنازة وسجدة التلاوة بعض شذوذٍ، فعند البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه: أنَّه لا يسجدها على غير وضوء، إلا أن في الحاشية للشيخ أحمد علي السهارنفوري نقيضُه. أنه كان يسجدها على وضوء، فتردد فيه النظرُ أيضًا.

أما في صلاة الجنازة فقد ذهب بعضهم إلى جوازها بدون طهارة. ولعل الوجهَ عنده خفاءُ لفظ الصَّلاة في صلاة الجنازة. والخفاءُ إنما يكون لنقص في المسمَّى أو زيادة فيه، فإِذا نَقَصَ شيءٌ من المسمَّى أو زاد فيه، يتردد فيه أنه بقي داخلًا في مسماه أو خرج عنه، كما قالوا في الطَّرَّار والنَّبَّاش: إنَّ الفظَ السارق خفيٌ فيهما، وكذلك ههنا خفيَ إطلاقُ الصلاةِ على صلاة الجنازة وسجدةِ التِّلاوة لمعنى النقص فيهما. أما سجدة التلاوة فظاهرٌ. وأما صلاة الجنازة فلعدم اشتمالها على الركوع والسجود.

وذهب الفقهاءُ الأربعة والجمهور إلى أنها داخلة في مسمَّى الصلاة، وسجدة التِّلاوة من

<<  <  ج: ص:  >  >>