للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عن الإِكثار في العبادةِ والاقتصادَ في العَمَل، لئلا يكونَ من بابِ طَلَبِ الكُلِّ فَوْت الكُلِّ، وأَمْعِن النظر في قوله: «إنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حتى تَملُّوا» تجد المعنى فيه ما ذكرنا، فافهم واستقم (١). ثُمَّ في الحديث: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم كان له خشبٌ يتكىءُ عليه في الصلاة إذا عَيي». فثبت منه جوازُ الاتكاء في النافلة، وبه قلنا. وفيه ما يدُلُّ على طولِ قيامِه أيضًا.

١٩ - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ تَرْكِ قِيَامِ اللَّيْلِ لِمَنْ كَانَ يَقُومُهُ

١١٥٢ - حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا مُبَشِّرٌ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ. وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِىُّ قَالَ حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «يَا عَبْدَ اللَّهِ، لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ». أطرافه ١١٣١، ١١٥٣، ١٩٧٤، ١٩٧٥، ١٩٧٦، ١٩٧٧، ١٩٧٨، ١٩٧٩، ١٩٨٠، ٣٤١٨، ٣٤١٩، ٣٤٢٠، ٥٠٥٢، ٥٠٥٣، ٥٠٥٤، ٥١٩٩، ٦١٣٤، ٦٢٧٧ - تحفة ٨٩٦١

وَقَالَ هِشَامٌ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى الْعِشْرِينَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ قَالَ حَدَّثَنِى يَحْيَى عَنْ


(١) يقول: العبد الضعيف: والذي فَهمته من تقريره هذا أنه كم من أشياءَ يحبُّها اللهُ تعالى ثم لا يأمرُ بها بل ينهى عنها لمصلحةٍ، كما أن كثيرًا من الأشياء تكونُ مبغوضة عند الله تعالى ثُم لا يَنْهى عنها. أما الثاني فكالطلاق، فإِنه أبغضُ المباحاتِ عند الله تعالى ومع ذلك أباحَه تعالى ولم يحرِّمه على الناس لمصلحةٍ، فإِن الرجل قد يحتاج بل
قد يضطرُ إلى التفريقِ فجعل له سبيلًا، وهو الطلاق، وكالغناء حيث كانت جاريتان تغنيان بين يَدَي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهو متغش وَجْهه بثوبه. ففي تغشيه أيضًا بيانا لعدم رضائه، وفي عدم نَهْيه صراحة تقريرٌ لإباحته في الجملة، وتقريره
في موضعه مشهورٌ وسيرد عليك بَعْضُه في هذا الكتاب أيضًا إن شاء الله تعالى. وأما الأَوَّلُ فَكَصَوْم الدَّهر وختم القرآن في ليلة مثلًا، فإِنه لا ريب في كونهما عبادتَين، غير أن الشرع لم يحرض عليهما بل نهى عنهما، وفي هذا الباب صوم الوصال وإحياء الليالي فإنه مما تضعف عن حَمْلِه بُنيةُ البشر، فإِنَّ الإِنسانَ خُلِق ضعيفًا. ولذا كان بناء
الدِّين على اليُسْر، نعم يُعلم من عَرْض كلامه كونُ تلك الأشياءِ واقعةً في أقصى مراتب الرضاء، ولذا كان بعضُ الصحابة رضي الله عنهم يواصلُ، كعبد الله بن الزبير، وأبي بكر رضي الله عنهما. وجَعَل صوم الدَّهر مجعل المشبه به في الفَضْل فقال. "صُم مِن كل شَهْر ثلاثةً، فإِذا أنت قد صُمْتَ الدَّهْر". أو كما قال: ألا ترى أن الله تعالى لم يجعل الوضوءَ فَرْضًا عند كل صلاة، لكن ابن عمر رضي الله عنه كان يرى أن به قوة فكان يتوضأ لكل صلاة. وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لولا أن أشُقَّ على أمتي لأمرتهم بالسِّواك". وكذلك غَضِب النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على الأَقْرع بن حابِس حين قال في الحج: "أفي كل عام يا رسولَ الله؟ ثم قال: لو قلت نعم لافترض عليكم ثُم لم تستطيعوا".
أو كما قال ثُمَّ حَرض على ذلك أيضًا في غيرِ واحدٍ من الأحاديث، فقال: "تابعوا بين الحج والعُمْرةِ". فلا ريبَ أن الحجَّ في كل سنةِ عبادةٌ عظيمة. وكذلك صومُ الدَّهر وأخواته إلا أنَّه نهى عنها لأن الزمان زمانُ نزول الوحي، والناس في شَغَف بالعبادة غير مفترين. فلو أقرَّهم على ذلك لأمكن أن يُفْتَرض عليهم فيضعفوا عن حَمْله. كما أنه لم يخرج إليهم بعد الليلة الثالثة في قصة صلاتِه في رمضان خشيةَ أن تُكتَب عليهم، وهذا الذي عناه عمرُ رضي الله عنه -والله تعالى أعلم-: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يُحِب الجماعةَ فيها، ثُم تركها لمصلحةٍ. ولما ارتفعت خشيةُ الافتراض بعده - صلى الله عليه وسلم - أعادها إلى هيئتها التي عَلِم من حُبِّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إيَّاها كما فعلته الأمة في صوم التاسع والعاشر. وكما فعله عبدُ الله بن الزبير رضي الله عنه في جَعْل البابين للكَعْبة المشرَّفة. والله تعالى أعلم بالصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>