وفي الحديث أَنَّ الأولين قصروا في صلاة العصر، وعن عليّ رضي الله عنه أَنَّ المرادَ منه سليمان عليه الصَّلاة والسَّلام.
قلتُ: وإذا ثَبَتَ عند مُسْلِم: «أَنَّها صلاةٌ كانت عُرضت على بني إسرائيل، فقصَّروا فيها، فإِن أتممتم فلكُم الأجرُ مرتين» - بالمعنى - فأيُّ حاجة إلى حَمْلِه على نبي من الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام فالأَوْلَى أَنْ يراد به مطلق الأمم، وقد فاتت عن النبي صلى الله عليه وسلّم أيضًا في غزوة الخندق. وحمله الحنفية على عذر المسايفة. الشافعية رحمهم الله على عَدَمِ نزولِ صلاة الخوف. والمالكية على عدم الوضوء. والله تعالى أعلم.
٥٥٤ - قوله:(لا تضامُّون) وهو من الضم بمعنى لا تَزْدَحِمون. وفي رواية: من الضَيْم بمعنى الظُّلم أي لا يَحْرُم عن رؤيته أحدٌ أحدًا. وتلك الرؤية إنَّما تكون رؤيته للتجليات عندي دون رؤية عن الذات، كما اختاره الشيخ الأكبر رحمه الله، وقَسَّمَها إلى رؤية شمسية ورؤية قمرية، ثُمَّ لم يفسرها (١). ثُمَّ إنَّ رواية التجلي هي التي تسمى برؤية الذات؛ ألا تَرَى أَنَّكَ إذا رأيتَ اللَّهَ - جلَّ سبحانه - في منامك تقول: إنك رأيت ذاته مع أنَّك ما رأيت ذاته المباركة، بل نظرت إلى نحو تجلي فقط؟. ولا تنسب إليَّ ما لم أقله. فإِنِّي لا أُنْكِرُ الرؤية، ولكن أريدُ البحث في أَنَّ حقيقةَ الرؤيةِ هي رؤية الذات أَوْ ماذا؟ فالله سبحانه وتعالى يَتَجَلَّى لعباده يومَ الحشر على نحو ما تجلَّى لموسى عليه الصَّلاة والسَّلام فقال:{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا}[الأعراف: ١٤٣] مع أنَّه كان سَأَلَهُ عن رؤية ذاتِه تعالى فتجلَّى له، وذلك لأنَّ رؤية ذاته تعالى لا تكون إلا بالتجلِّي، وفي ضمنِه تنكشف الذات أيضًا على ما تليق بشأنها، وتلك التَّجلِّياتِ لا نهاية لمراتبها، فالله سبحانَه وتعالى يَعْلَم أنَّه كيف يَتَجَلَّى، ولكن تجلِّيه هو عبارةٌ عن رؤيتِه، وقد مرَّ تقريره في أوائلِ الكتاب شيئًا في شرحِ الحديث الثاني، وهذا على مختارِ الشيخ الأكبر رحمه الله تعالى. وراجع «الفتاوى للشاه عبد العزيز» رحمه الله تعالى؛ فإِنَّه تكلَّم جيدًا في هذا الموضوع.
(١) وسيجيء عن بعض المحققين في ذيل شرح التجلي، أَنَّها إيماء إلى لفظِ الحديث، ففي لفظ: "فترونَهُ كما تَرَوْنَ هذا القمر لا تضامُّون في رؤيتِه" وفي أُخْرى "الشمس" بدل القمر فسمَّاهما رؤية شمسية وقمرية، ثُمَّ اللهُ تعالى أعلم ما الفَرْقُ عنده بينهما؟.