وأما النَّفْل فلا يكون فيه للجماعةِ حَقٌّ، كذلك هذه الصلاة نافلةً لك، فلا تدخل الجماعةُ معك فيها، فهي حالُكِ الأحاديُّ وَوِظِيْفتُكَ الانفرادية، ولذا قال إمامنا رحمه الله تعالى: إن التداعِي في صلاةِ الليل مكروهةٌ. وَحَدُّ التداعي عندي - كما في العُرْف - بِأَنْ يُدْعَى لها الناسُ. وما ذَكَرَه المُفْتُون فهو تحديدٌ للعَمَل لا أنه مَنْقُولٌ عن صاحبِ المذهب.
ثُمَّ إنَّ النَّسائي بَوَّب عليه بأن تلك السجدةَ الطويلةَ كانت على حِدَة لا في ضمن الصلاة.
قلتُ: وهو بعيدٌ عن الصواب، بل كانت ممن أركانِ الصلاة. أمَّا السجدةُ المفردة فاستحبَّها الشافعيةُ في أوقاتٍ مختلفة: بِأَنْ يسجدَ بها متى شاءَ، وهذا في غَيْر مَوْضع الشُّكْر أيضًا.
قلتُ: ولا أَصْلَ لها عندنا، نعم في الكتب في سجدة الشكر قولان، ولا بُدَّ من القول بالجواز. وأمَّا ما اعتاد بها الناسُ بعد الوِتْر والتراويح فمنع منها في «الكبيري شَرْح المنية».
٤ - باب تَرْكِ الْقِيَامِ لِلْمَرِيضِ
١١٢٤ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ سَمِعْتُ جُنْدَبًا يَقُولُ اشْتَكَى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ. أطرافه ١١٢٥، ٤٩٥٠، ٤٩٥١، ٤٩٨٣ - تحفة ٣٢٤٩
١١٢٥ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ احْتَبَسَ جِبْرِيلُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَبْطَأَ عَلَيْهِ شَيْطَانُهُ. فَنَزَلَتْ {وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (٣)} [الضحى: ١ - ٣]. أطرافه ١١٢٤، ٤٩٥٠، ٤٩٥١، ٤٩٨٣ - تحفة ٣٢٤٩
واعلم أن المصنف رحمه الله تعالى أخرج ههنا متنًا واحدًا له سَنَدَانِ وَحَوَّل بينهما، وجعل في كتاب التفسير في تفسير سورة «والضحى»(ج ٢/ ٢٧٣٨) متنَين بِسَنَدَيْن، هكذا قال: سَمِعت جُنْدُب بن سفيان قال: اشتكى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم فلم يَقُم ليلةً، أو ليلتين، أو ثلاثًا، فجاءت امرأةٌ فقالت: يا محمد، إني لأرجو أن يكونَ شيطانُك قد تَرَكَكَ» ... إلخ. والمرأةُ هذه امرأةُ أبي لَهَب كما يَنْطِقُ به خُبْثُ تعبيرِهَا. وعنه قالت امرأةٌ:«يا رسولَ الله مَا أَرَى صَاحِبَك إلا أَبْطَأَك» ... إلخ. والمرأةُ هذه هي أُمُّ المؤمنين خديجةُ رضي الله تعالى عنها كما يُشْعِرُ به مخاطَبَتُهَا إيَّاهُ صلى الله عليه وسلّم وإنَّما ذَكَرَتْهَا تَحَسُّرًا، ثم ذَكَر فيهما نُزولَ الآيةِ، ولا يُتَوهَّم الاضطرابُ بينهما.
والجواب: أنَّ الآيةَ نَزَلَتْ بعدهما، إلا أنه ليس مَوْضِع التحويل، فإنَّه يدل على كونهما قصةً واحدةً، ومتنًا واحدًا من إسنادين مع أنهما متنانِ مختلفان بإسنادين كذلك، كما يتضِحُ من كتاب التفسير، وفي مِثْله لا يناسب التحويلُ، إلا أنَّ المصنِّفَ رحمه الله تعالى لما أخرجهما في كتاب التفسير لم يبالِ بهذاالإيهام. ولعلَّ غَرَضَه ههنا التنبيه على كَوْنِ هاتين القطعتين في واقعةٍ