للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (أَنْ لا تُكْشَفَ)، أي لا تفتش.

قوله: (كُنت أَعْتَقْقُك) .. الخ فهذا إِخْبار، ويصدق به.

وقوله: (قال بعضُ الناس: لا يجوزُ إقْرَارُهُ لسوءِ الظَّن به) ... الخ. فنقل أولا القطعيات التي تدلُّ على عبرة إقرار المريض، ثُم توجَّه إلى الإِيراد على الحنفية، فقال: إنَّ بَعْضَ الناس يُسيءُ الظنَّ برجل على شرف الرحيل، ولا يظن بأَحدٍ أنه يكذِب في مِثْل هذا الموطن.

قوله: (ثم استحسن، فقال: يجوزُ إقرارُه بالودِيعة) ... الخ. يعني نفي أولا إقراره، ثُم جعل يَسْتثني منه، لما لاح له دلائلُ خاصَّةٌ، وموانع جزئية. وحاصلُ إيرادَه أمران: الأوَّل أن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم نهى عن سوءِ الظنِّ، ولم يعمل به أبو حنيفة، فلم يَنْفُذ إقراره لسوءِ الظنِّ به؛ والثاني أَنَّ الله تعالى أمر أن تُؤدَّى الأماناتُ إلى أهلها، فوجب أن تردّ أمانةُ المقرِّ له إليه. ولو لم تعتبر إقرارَه، يلزم مَنْعُ الأمانة عن صاحبها، وركوبُ حقوقِ المسلمين على رقبته من أجل إقراره، ومِنْعاها عنهم، ولا يحِلّ له ذلك.

قلنا: إنَّك قد عَلِمت أن الإِقَرار إذا كان سبَبُه معلومًا، فهو مُعتَبرٌ عندنات أيضًا، ولا مناقضةَ (١) بعبرةِ الوَدِيعة وغيرِها، فإِنَّ الويعةَ ليست من الإِقرار في شيء. فإِنها ليست تمليكًا جديدًا. بَقيت المضارَبةُ، فليست من الإِقرار المعروف. أما الجوابُ عن الأَمْر الأَوَّل. فنقول: إنَّ الحديثَ مَحَلُّه فيما إذا كانَ إساءةُ الظنِّ بلا وَجْه، أما إذا كان مَوْضِعَ رَيْبٍ وريبةٍ، ففيه قوله: «اتفقوا مواضِعَ التُّهَم». وأما الجوابِ عن الأَمْر الثاني فنقول: إنَّا نلاحِظُ حقَّ الوَرَثة أيضًا؛ فأنتم نظرتُم إلى حَقِّ المُقرِّ له، ونحنُ نَظَرْنا إلى حقِّ الوَرَثة، فلزم عليكم تَرْكُ النَّظَرِ حقَّ الوَرَثة كما ألزمتُم علينا تَرْكَ النَّطَر إلى حقِّ المُقرِّ له؛ وأما الجوابُ عن الآيةِ فبأنَّها خارجةُ عن مَوْرِد النِّزاع، لأنه لا كلامَ في ردِّ الأمانات، وإنم الكلام في إقرارِه.

ولنا أن نقولَ أيضًا: إن حقَّ الورَثةِ لِما تعلَّق أن الإِمامَ الهُمام نَظَر إلى أَنَّ الأماناتِ والودائعَ إخبارٌ بأَمْرٍ ماضٍ، فإِذا أَخْبر به سلمنا قوله، ولم نكذبه، بخلافِ الإِقرار، فإِنَّه إنشاءٌ من وَجْه، فَوَسِع لنا أن لا تُنْفِذه بظهورِ حقِّ الوَرَثة؛ فنظرنا إلى أَنَّ حفاظةَ حقِّ الورثة أَقْدَمُ من حفاظةِ حقِّ الغير، ونظر المصنِّف بالعكس.

[فائدة]

واعلم أنَّ المشهورَ في تعريف الاستحسان أنه قِياسُ خفيُّ، وحقَّقَ الشيخُ ابنُ الهُمام أنه ما خالِف القِياسَ الجليِّ، سواء كان قياسًا خفيًا، أو نَصًّا، أو غير ذلك؛ ولا ينبغي القَصْر على القِياس الخفي، فإِنَّ الاستحسان قد يكون بالنصِّ أيضًا.


(١) قال العَيْني: والفرق بين الإِقرار بالدَّين، وبين الإِقرارِ بالوديعة، والبِضَاعة، والمضارَبة ظاهِر، لأنَّ مَبْنَى الإِقرار بالدَّين على اللزوم. ومَبْنَى الإِقرار بهذه الأشياءِ المذكورةِ على الأمانةِ؛ وبين اللزومِ والأمانة فَرْقٌ عظيم، اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>