للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

«حتى يَقْبِضَه». فلم يتعيَّن لفظُ النقل، لنجعله مَدَارًا. والوجه عندي أن الكلَّ جائزٌ، كالواجب المخيَّر، والمناطُ فيها التَّخْلِيَة. وقد مرَّ: أن الأحوطَ عند اختلاف الألفاظ العملُ بالقدر المشترك، وهو التَّخْلِيَة، فالنقلُ نوعٌ منه، لأن القبضَ مُنْحصِرٌ فيه. على أنا نقول: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم أمرهم بالنقل تعزيرًا لهم، لأنهم كانوا يتلقُّون الرُّكْبَان، قبل أن يَنْزِلُوا السوق، فنهاهم أن يتلقُّوا الجَلَبَ، وأَلْزَمَ عليهم النقل تعزيرًا، كما يَدُلُّ عليه ما عند البخاريِّ في باب ما يُذْكَرُ في بَيْعِ الطعام ... إلخ، قال: «رأيت الذين يشترون الطعام مجازفةً يُضْرَبُون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يَبِيعُوه، حتى يُؤْدُّوهُ إلى رِحَالهم»، ونحوه في باب من رَأَى إذا اشترى طعامًا جِزَافًا اهـ.

والحاصلُ أنه إذا اختلفت الألفاظ، آل الأمرُ إلى الاجتهاد.

٥٠ - باب كَرَاهِيَةِ السَّخَبِ فِى السُّوقِ

٢١٢٥ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا هِلَالٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضى الله عنهما - قُلْتُ أَخْبِرْنِى عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى التَّوْرَاةِ. قَالَ أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِى التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِى الْقُرْآنِ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥)} [الأحزاب: ٤٥]، وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِى وَرَسُولِى سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ فِى الأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ. وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا. تَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ هِلَالٍ. وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ هِلَالٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ سَلَامٍ. غُلْفٌ كُلُّ شَىْءٍ فِى غِلَافٍ، سَيْفٌ أَغْلَفُ، وَقَوْسٌ غَلْفَاءُ، وَرَجُلٌ أَغْلَفُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْتُونًا. طرفه ٤٨٣٨ - تحفة ٨٨٨٦

٢١٢٥ - قوله: (لَقِيتُ عبد الله بن عمرو بن العَاصِ)، وكان عنده صحيفة الأحاديث، سمَّاها صادقةً، وكان من علماء التوراة.

قوله: (إنه لموصوف في التوراة). واعلم أن التوراةَ كانت كتابًا كبيرًا، إلا أنها الآن اسمٌ للصُّحُف الخمسة التي نزلت على موسى عليه السلام، ومنها «الاستثناء»، وهذا غلطٌ في الاسم. وقد يُقَال له: «التثنية»، و «المثنَّى» أيضًا، وهذان صحيحان في الجملة. وإنما سُمِّيَ بهما لتكرار الأحكام فيه، فصحَّ عليه إطلاق «المثنَّى». أمَّا إطلاق «الاستثناء»، فلا معنى له ههنا. ثم إن التوراةَ في مصطلح أهل الكتاب اشتهرت في كل صَحِيفَةٍ نزلت بعد موسى عليه السلام إلى ملاكي عليه الصلاة والسلام، وهو المراد ههنا. لأن ما ذكره من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلّم أصله في الإصحاح الاثنين والأربعين تقريبًا، من صَحِيفة شَعْيَاء عليه الصلاة والسلام، وليست في الأَسْفَار الخمسة، كذا عن وَهْبِ بن مُنَبِّه.

وهكذا وقع في إطلاق الإِنجيل، فإنه اسمٌ عند أهل الإِسلام لما أُعْطِي عيسى عليه السلام. وأمَّا عند النَّصَارى، فهم يُطْلِقُونَه على مجموعةٍ عندهم، فيها كلام الحَوَارِيِّين وغيرهم أيضًا. فإن

<<  <  ج: ص:  >  >>