مسائل الحنفية أو الشافعية؟ فقد تكلَّمنا عليه وعلى مثله مِرَارًا، وسنعود إليه في باب الوتر شيئًا إن شاء الله تعالى.
قوله:(فلم يَخْرُجْ ... ) الخ، ومعناه على مختار الشارحين: أي لم يَخْرُج من مُعْتَكَفِهِ إلى حيث كان يُصَلِّي صلاة الليل.
قوله:(إني خَشِيتُ أن تُكْتَبَ عليكم)، وههنا إشكالٌ: وهو أنه كيف خَشِيَ الكتابة، مع أنه قد أَعْلَن بأنَّ الفرائضَ خمسٌ لا تزيد ولا تَنْقُص؟ وأُجِيبَ بأن انحصار فريضة العمر في الخمس لا يُنَافي زيادة فريضةٍ في رمضان خاصةً، فمعناه: خَشِيتُ أن تُكْتَبَ عليكم صلاتكم هذه في رمضان، فلا يُنَافي ما افْتُرِضَ في خارجه. ثم ذَكَرَ له الحافظ رحمه الله تعالى جوابين من عند نفسه. والأرجحُ عندي أن الخَشْيَةَ خَشَيَةُ الجماعة، أي تُكْتَبَ عليكم الجماعةُ فيها، وللجماعة تأثيرٌ في الإِيجاب، ولذا أمرهم أن يُصَلُّوها في بيوتهم، ولا يجتمِعُوا بها. ولمَّا كان للوجوب اختصاصٌ بالجماعة، وَجَبَت صلاة الاستسقاء عندنا في قولٍ لكونها بالجماعة.
وهل للمواظبة والاعتناء دَخْلٌ في إيجاب شيءٍ أو تحريمه؟ فالجواب كما ذكره الشاه وليُّ الله في «حُجَّة الله»: أن الشيءَ قد يَجِبُ ويَحْرُم بالمواظبة أيضًا إذا كان الزمانُ زمانَ نزول الوحيِ، كنذر يعقوب عليه السلام بترك أحب الأشياء إليه، وكان أحب الأشياء إليه لحم الإبل، فلم يأكله لنذره واستمرَّ على تَرْكِه ذُرِّيَّتُه تبعًا لأبيهم، فلمَّا تمادى الأمر على ذلك حُرِّم على بني إسرائيل في التوراة.
قلتُ: ويُسْتَفَاد منه: أن حقيقة صلاة الليل مما تَصْلُح أن تكونَ فرضًا وإن لم يَحْكُم به عليها، لا يُقَال خَشْيَة الكِتَابة تَدُلُّ على عدم الكتابة في الحالة الرَّاهِنَةِ، وهذا يُخَالِفُ ما اخْتَرْتَ من وجوب قطعة من الليل، وهي الوتر. قلتُ: كلا، لأني حَمَلْتُ الخَشْيَة على الجماعة، والوتر وإن كانت مكتوبةً عندنا، لكنها ليست بالجماعة.
قيل هذه الترجمة أجنبية في تضاعيف تراجمه من هذا الباب، فإن أبوابَ صلاة الليل بعيدةٌ، ولم يَدْخُل المصنِّف رحمه الله تعالى في صفة الصلاة بَعْدُ. قلتُ: وهو إنجازٌ، لأنه لمَّا أخرج حديث:«صلاة الليل» أحبَّ أن يَضَعَ عليه ترجمةً الآن، وإن كانت قبل أوانها على دَأْبِهِ بالإنجاز، ويمكن أن يكون أراد تعيين القصة الماضية وفيه:«كان له حصير»، ومنه فَهِمَ الشارحون أن حُجْرَته كانت من حصيرٍ.