يصوِّر في نومه ما عَلِق به قلبه في اليقظة، فهذا أمرٌ ممكنٌ، بل واقعٌ ونوعُ بشارةٍ له أيضًا، فإن هذا الخيال وإن لم تكن له حقيقة لكنه مبارك.
والحاصل أن رؤياه صلى الله عليه وسلّم قد تكون كرامةً من الله تعالى، وهو بشرى المؤمن حقيقة، وقد تكون على طور تحديث النفس، فهذا أيضًا نوع بِشارة، وإن كانت ضعيفة ولذا يشتركُ فيها الصالح والطالح، ولو كان مع ذلك عناية من جانبه تعالى، فالأمر أعلى؛ وأما على طريق تحزين الشيطان فهذا أبعد وأبعد، نعم، يتحقق ذلك في الرؤيا العامة، هكذا حققه الشيخ المجدد السَّرهندي رحمه الله تعالى وأعلى درجته في عليين وبعدَه الشيخ ميرزا جان جانان الشهيد والشاه رفيع الدين رحمهما الله تعالى، فإنهم كلهم كانوا قائلين بالرؤية الخيالية أيضًا. ولعَمري أنه مذهبٌ محكمٌ مطابقٌ بما في الواقع، والله تعالى أعلم.
واعلم أن الاهتمام في عهده صلى الله عليه وسلّم كان بجمعِ القرآن فقط، ولم تكن هممهم مصروفةً إلى جمع الأحاديث، بل كانوا يحفظونَها عن ظهرِ قلب، إما بالألفاظ بعينها إن أمكن، وإلا فبالمعنى مع إبقاء المراد على حاله.
ثم جَمَعَ أبو بكر الصديق مما تفرق من القرآن في مقام واحد، ثم أخذ عنه عمر رضي الله عنه نقولًا في زمان خلافته. أما عثمان رضي الله عنه فكتب جميع ما كان قرأه جبرئيل على النبي صلى الله عليه وسلّم في العَرْضَةِ الأخيرة وأرسل نقوله إلى البلاد وما كانت عندهم من القراءات المختلفة أمر بحرقها لئلا يَشقَّ الناسُ عصاهم في أمر القرآن. ثم إنه ثبت عنه النهيُ عن كتابة الحديث وثبت عنه الإجازة أيضًا لبعض أصحابه صلى الله عليه وسلّم فقد رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: إني لا أعلمُ أحدًا أحفظُ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم مني غير عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، فإنه كان يكتب ولا أكتب (١)، فكان عبد الله بن عمرو بن العاص جمع أحاديثه صلى الله عليه وسلّم في كتاب وسمَّاه الصادقة.
(١) قلت: وأحسن وجوه التوفيق بينهما أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إنما نهى عن كتابتها في أول الأمر، لأن القومَ كانوا أميين لا يُحسنون طرق الكتابة وكان أهم حينتئذٍ القرآن، فلو أجيز لهم بالكتابة لخلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا، واختلط عليهم القرآن وتعسر عليهم معرفة الصحيح من غلطه، لأجل عدم تحسينهم الكتابة كما ترى اليوم، فإن الكتُبَ عامة مملوءة من الأغلاط، مع تعلُّم الناس حرفة الكتابة، حتى أن بعضها قد انقطعت عنه الفائدة لأجل =