«الحجِّ» سجدةٌ واحدةٌ. وعند أحمد رحمه الله تعالى فيها سجدتان وفي «ص» أيضًا سجدةٌ، فازداد عددُ السجدات عنده. وأنكر مالكٌ رحمه الله تعالى أن يكونَ في المُفَصل.
قلتُ: تَعَدُّدُ السجودِ في الحج محمولٌ عندي على تعدُّدِ القراءة، فإنهم لما اختلفوا في مَوْضِع السجود في سورةٍ باعتبار اختلافِ القراءةِ، كما عند الطحاوي، فأيُّ بُعْد لو التزمنا تَعَدُّدَ آياتها باختلاف القراءة أيضًا. فيمكن أن تكونَ سجدةً واحدةً باعتبار قراءةٍ وسجدتين باعتبار قراءةٍ أخرى.
٥ - باب سُجُودِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكُ نَجَسٌ لَيْسَ لَهُ وُضُوءٌ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رضى الله عنهما - يَسْجُدُ عَلَى وُضُوءٍ.
١٠٧١ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - سَجَدَ بِالنَّجْمِ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ. وَرَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ. طرفه ٤٨٦٢ - تحفة ٥٩٩٦
ولعله اختارَ أداءَ السجود بدون طهارة. وذهب إليه الشَّعْبِيُّ من السَّلَفِ، واستدل بسجود المُشْرِكين، فإنهم نَجَس وليس لهم وضوءٌ، ثُمَّ سَجَدُوا على سجودِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم والمسلمين.
قلتُ: والجواب عنه سَهْلَ، فإنه لا دليلَ على عبرةِ سجودِهم أيضًا، بل الراوي لما لَمْ يجد لَفْظًا عَبَّرَ عن خُرورهم على جباههم بالسجود وإن لم يكن سجدةً فِقْهًا. وفي قول البخاري رحمه الله تعالى دليلٌ على ما مر معنا أن النجاسةَ في المُشْرِكِ فوقَ نجاسةِ الاعتقاد.
أما الجواب عن أثر ابن عمرَ رضي الله عنه: فأولا: إنه أثرٌ لم يَتَّبِعْه الصحابةُ رضي الله عنهم. وثانيًا: في الهامش: «على وضوء» بحذف «غير»، فتردَّد النَّظرُ في مذهبه. ثُمَّ التفقه له لو كان اختارَ أداءَ السجودِ على غير وضوءٍ أنها عبادةٌ على اللِّسَان لا على الجَسَد، والعبادةُ على اللِّسَانِ أذكارٌ ولا وضوءَ فيها، ولخفاءِ معنى الصلاةِ فيها. وراجع الهامش.
٦ - باب مَنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ وَلَمْ يَسْجُدْ
١٠٧٢ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ - رضى الله عنه - فَزَعَمَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - {وَالنَّجْمِ} فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا. طرفه ١٠٧٣ - تحفة ٣٧٣٣
= وبالجملة ليس الاستدلالُ منه من باب الانحصار فيما قلنا، بل من باب كونِنَا أسعدَ بالقرآنِ، وهذا يطرِدُ في جميع المواضع. ومن العجائب ما ذكره ابن حَزْم قال: إن ثانيةَ الحج لا نقولُ بها أصلًا في الصلاة، وتَبطل الصلاة بها، يعني إذا سجدت، قال: لأنها لم تصحْ بها سُنةْ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أُجْمِع عليها، وإنما جاء فيها أثَرٌ مرسَلٌ، والله تعالى أعلم بالصواب.