قلتُ: ويمكن أن يُفَرَّق بينهما: بأن أحدهما كان يَسْمَعُ التأذين دون الآخر، فأكَّد الحضورَ لمن سَمِعَ النداء. فإن كان هذا، فهو منصوصٌ في الحديث. وحاصلُه: أن في الأعذار مراتب، فلعلَّ عُذْر ابن أمِّ مكتومٍ كان دون عُذْر عِتْبَان، فرخَّص لواحدٍ دون الآخر (١).
٦٧٠ - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِنِّى لَا أَسْتَطِيعُ الصَّلَاةَ مَعَكَ. وَكَانَ رَجُلاً ضَخْمًا، فَصَنَعَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - طَعَامًا فَدَعَاهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَبَسَطَ لَهُ حَصِيرًا وَنَضَحَ طَرَفَ الْحَصِيرِ، صَلَّى عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ آلِ الْجَارُودِ لأَنَسٍ أَكَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّى الضُّحَى قَالَ مَا رَأَيْتُهُ صَلَاّهَا إِلَاّ يَوْمَئِذٍ. طرفاه ١١٧٩، ٦٠٨٠ - تحفة ٢٣٤
يعني هل يجوز له أن يُصَلِّي بمن حَضَرَ، ولا يترقَّب لسائرهم فالجواب: أنه يجوز، لا سيَّما بعد ندائه بالصلاة في الرِّحال. ثم قوله:«ونَضَحَ طرف الحصير» في قصة عِتْبَان الآتية، أمكن أن يكون وَهْمًا من الراوي، فإِنه أكثر ما يُرْوَى في قصة أم سُلَيْم. والله تعالى أعلم.
(١) قلتُ: وُيؤَيِّدُه ما عند البخاري في هذا الباب، عن أنس قال: "قال رجلٌ من الأنصار: إني لا أستطيع الصلاة معك، وكان رجلًا ضخمًا ... " إلخ. قال الحافظ: وهو عِتْبان بن مالكَ. قلت: وحينئذٍ تبيَّن أن عُذْره كان فوق عُذْر ابن أم مكتوم، لأنه صرَّح أنه لا يستطيع أن يُصَلِّي معه لضخامته، ولم يكن كذلك ابن أم مكتوم، فأمره أن يَحْضُرَ الجماعة، فافهم.