للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رحمه الله تعالى دليلا على كونِ الوِتْر بواحدةٍ.

قلتُ: وتلك الروايةُ هي هذه الرواية بعينها متنًا وسندًا، واختُصِرت عند الدارقطنيِّ رحمه الله تعالى. وأخرجها البخاريُّ رحمه الله تعالى مُفَصلةً، وفيها وِتْرُهُ بثلاثَ عشرةَ ركعةً كما رأيت، فليُتَنَبَّه. ومِثْل هذا قد وقع من الرواةِ كثيرًا، ومَنْ لا ينظرُ إلى طُرُق الروايات يقع له مِثْلُهُ كثيرًا. وقد كَشَفْنَا عن وُجوهِ التعبير وما رامه الرواة شيئًا من قبل فتذكره. والتفصيل في «كَشْف السِّتر عن مسألة الوِتْر».

١١ - باب قِيَامِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - بِاللَّيْلِ وَنَوْمِهِ، وَمَا نُسِخَ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ

وَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (٤) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (٥) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (٦) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (٧)} [المزمل: ١ - ٧] وَقَوْلِهِ {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [المزمل: ٢٠]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - نَشَأَ قَامَ بِالْحَبَشِيَّةِ، {وِطَاءً} قَالَ مُوَاطَأَةَ الْقُرْآنِ أَشَدُّ مُوَافَقَةً لِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَقَلْبِهِ {لِيُوَاطِئُوا} [التوبة: ٣٧] لِيُوَافِقُوا.

وهذا الذي نَبَّهْتُكَ عليه: إنَّ المصنِّف رحمه الله تعالى ذَهَب إلى شرعيةِ بَعْضِ صلاةِ الليل، ونَسْخ البَعْض، ولذا أتى بِحَرْف التَّبْعِيْض. ثُمَّ هذه الإشارةُ على ما حَرَّرْتُ من قبل، أَنَّ «مِنْ» في سائر كتابه للتبعيض. والشارحون قد يجعلونَها بيانيةً، وقد يجعلونها تَبْعِيْضيَّةً. وإنَّما اخترت ما اخترت ليكونَ النَّسق في جميع كتابه واحدًا. وراجع كلامَ الرَّضِيِّ للفَرْق بين البيانيةِ والتبعيضية.

ومِمَّنْ صَرَّح بِعَدِم نَسْخِهَا القاضي أبو بكر العربي (١) وهو المختار عندي. وَلَعلَّهَا كانت مشروعةً من الابتداء حين كانت الصلاتان فقط، ولذا نَجِدُ ذِكْرَها مع الصلاتين في غيرِ واحدٍ من الآياتِ. قال تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩) وَمِنَ اللَّيْلِ} [ق: ٣٩، ٤٠] ... إلخ، ثُمَّ بقيت حِصَّةٌ منها إلى زَمن افتراضَه الخَمْسِ وإن تَغَيَّرت شَاكِلَتُهَا شيئًا.


(١) قال القاضي في "العارضة" ص (٢٤٦) ج (٢): وقد اختلف الناسُ في صلاة الليل، فمال البخاري إلى وجوبها، وتَعلَّق بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يَعقدُ الشيطانُ على قافِيةِ رَأسِ أحَدِكم إذا هو نام ثلاثَ عُقَدٍ ... " الحديثَ. وهذه العُقْدَةُ تَنْحَلُّ بصلاةِ الصُّبح، ويكون في ذِمَّةِ اللهِ كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد بَيَّنَت عائشةُ رضي الله عنها الأَمْرَ غايةَ البيان فقالت -في "صحيح مسلم"-: "إن قيامَ اللَّيل مَنْسُوخٌ".اهـ. مختصرًا. قلت: فهذا يَدُلُّ على أن القاضي اختار النسْخَ على خِلافِ البخاري، وعلى خلافِ ما حكاه الشيخ رحمه الله تعالى. فيمكِنُ أن يكونَ ما نسبه إليه في "أحكامه" أو يكون من سبقة قَلَمي. والله تعالى أعلم بالصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>