واعلم أنَّ القَدَرَ حصل من مجموع الإِرادة والقدرة، والإِرادةُ عند المتكلِّمين عبارةٌ عن تخصيص بعض المقدورات ببعض الأوقات، وهي صفةٌ تتعلَّق بجانبي الشيء - الوجود والترك - وأنكرها الفلاسفةُ. وما ذكره الصدر في «الأسفار»، وابن رشد في «التهافت»: أنَّ الفلاسفةَ أيضًا قائلون بصفة الإِرافة، فإنَّه تمويهٌ بلا مِرْيَةٍ، وخِدَاعٌ بلا فِرْيةٍ، لأنَّ ما ذُكِرَ أنَّ الإِرادةَ عندهم تختصُّ بجانب الوجود.
قلتُ: وهل عندهم في جانب الترك إرادةٌ أيضًا أو لا؟ فإن أقرُّوا بها، فذلك مذهبُ المتكلِّمين بعينه، على أنَّه يكذِّبهم شاهدُ الوجود، فإنَّهم لا يقولون بها. وإن كان الثاني، فقد كفانا عن افتضاحهم، فإنَّ جانبَ الترك إذا لم يَدْخُل تحت القدرة، فذلك عينُ الجبر، فإنَّ القَدَرَ إن شاء فعل، وإن لم يشأ لم يَفْعَلْ.