قوله:(صلى الله عليه وسلّم من فاتته صلاة العصر) ... إلخ، أي من فاتته الجماعةُ، وهناك احتمالات أخرى أيضًا.
٦٣٥ - قوله:(فَلا تَفْعَلُوا): صلى الله عليه وسلّم ربهى مت كرو، وسيجيء عليه الكلام مبسوطًا.
قوله:(ما أَدْرَكْتُمْ فصَلُّوا) ... إلخ اعلم أن ترتيبَ صلاة المَسْبُوق عندنا كترتيب صلاة الإِمام، فما يُصَلِّيه مع إمامه هو آخرُ صلاته، وما يقضيه بعده أولُ صلاته، فالمسبوقُ عندنا كالمُنْفَرِد فيما يقضي. وقال آخرون بعكسه، فترتيبُهُ عندهم كما في الحسِّ، وعبَّر عنه الشيخُ الأكبرُ رحمه الله تعالى: إن المسبوقَ عندنا قاضٍ فيما بقي، وعند آخرين مُؤَدَ فيه. وتمسَّك الحنفيةُ بلفظ الفوات والقضاء، كما في بعض الروايات:«وما فَاتَكُمْ فَاقْضُوا»، فدلَّ على أن المسبوقَ قاضٍ فيما بقي، لأن الحديثَ سمَّى أول صلاته فائتةً، ثم أمره بقضائها، فدلَّ على أنه يصلِّي على ترتيب الإمام. وتمسَّك الشافعية بلفظ:«أَتِمُّوا» والإتمام لا يكون إلا في الآخر، فكأن ما يصلِّيها مع إمامه أولها، فلا يُقَال فيما بقي إلا أنه مُتَمَّمٌ وَمُؤَدَّى فيها.
قلتُ: والحقُ أنه لا تمسُّكَ فيه لهما، ومسائلُهم من باب التفقُّه. فللشافعيةِ أن يَحْمِلُوا الفواتَ على الفوات بحَسَبِ الحسِّ دون الحكم، كما جَازَ للحنفية أن يَأْخُذُوا الإتمام بحسبه. وتفصيله: إن أولَ صلاته وإن كانت فائتةً باعتبار الحسِّ والمشاهدة، لكنها لم تَفُتْهُ بِحَسَبِ الحكم عندهم، فهو قاضٍ لها في الحسِّ، ومُتَمِّمٌ في الحكم. فإن أول صلاته ليست إلا التي أدركها مع إمامه، وهذه لم تَفُتْهُ، وإنما فاتته ما هو أول صلاته باعتبار المشاهدة والحسِّ. وكذلك نقول في الإِتمام: إن المسبوقَ وإن كان في الحسِّ والمشاهدةِ مُتِمًّا لصلاته، إلا أنه قاضٍ لها في نظر الشارع، لأنه قد فاتته أول صلاته، وحينئذٍ يجري فيه الشرحان سواء بسواء.
ولنا في المسألة حديثان ذكرناهما في رسالتنا «فصل الخطاب»، أحدهما: ما عند أبي داود، في الأذان:«أُحِيْلَت الصلاة ثلاث تحويلاتٍ» ... إلخ، والآخر عند الترمذي غير أن في إسناده ليِّنٌ. ولتراجع كتب الأصول، فإنهم اختلفوا في أن صلاةَ المسبوقِ أداءٌ كاملٌ أو قاصرٌ، وأقاموا فيها المراتب.