ولا يمكنُ تحديدُه أصلا، كلفظ التبذير، والإِسراف، والتوكل، كلها مما يعلمها أهل العرف، ويتعسرُ حدودها، ولا أعرف زمانًا من عهد النبوة افترض عليهم صرْفَ جميعِ المال، إلا أنه إذا لم يكن يبق في بيت المال شيءٌ، ودعت الحاجة، فحينئذٍ يجبُ عليهم أن ينفقوا بكل ما يمكن، وهذه المسألة إلى الآن، فالوعيد في النص عندي منصرفٌ إلى كل ما يُطلقون عليه كنزًا في العرف، ولعله هو مذهب أبي ذر رضي الله عنه. وأتردَّدُ فيما يُنقل عنه. والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
ويُحكى أن أبا ذر رضي الله عنه لما احتُضِرَ، جعلت امرأتُه تبكي، فسأل عن بكائها، فقالت: إني أبكي لأنك ممن صحب رسول الله صلى الله عليه وسلّم وتموت الآن، ولا أجد ما أكفِّنُك فيه، فقال: إذا متُّ، فاطلُعي على تلول، ونادي بذلك، يعينُك أحدٌ فطلعت، فإذا هي بقافلةٍ فيها ابنُ مسعود رضي الله عنه، فلما أخبرَ الخبرَ بكى، وأعطى عِمَامته، فكانت كفنه رضي الله تعالى عنه.
٥ - باب إِنْفَاقِ الْمَالِ فِى حَقِّهِ
١٤٠٩ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِى قَيْسٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ «لَا حَسَدَ إِلَاّ فِى اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِى الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهْوَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلِّمُهَا». أطرافه ٧٣، ٧١٤١، ٧٣١٦ - تحفة ٩٥٣٧
١٤٠٩ - قوله:(لا حسد) ... إلخ. وتأويله مشهورٌ قلتُ: ولا أجد شيئًا أربى وأنمى من العِلم، فإنه يحملُ إلى الآفاق في زمنٍ يسيرٍ.